وهذا ما حققته رواية« الحي البعيد» وهي رائعة جيرود تانيغوشا فوق خشبات مسارح العواصم الغربية، وقد اعتبر اقتباس المسرحي السويسري دوريان روسيل لمانغا«الحي البعيد» تحدياً كبيراً للنقد المسرحي المعاصر منذ أن بدأ عرض هذا العمل على خشبات أوروبية وأميركية شمالية مؤخراً.
وكانت ظاهرة المانغا كما يدعونها في اليابان قد اكتسحت الآداب والفنون التصويرية الآسيوية والغربية منذ ولادتها عام 1974 لجمعها بين قصص البطولة وبين وقائع تاريخية، فمثلاً اكتشاف وغزو قمم إيفرست كما في المانغا«آلهة الجبال».
لقد تناول جيروتانغوشا وهو أشهر وأبرز كتاب المانغا عصر الميجي الصاخب بالساموراي ونجوم وأسلحة رياضة الكونغ فو في أعمال روائية مصورة نزلت إلى واجهات المكتبات على شكل سلسلة من المغامرات أهمها« في زمن بوتشان».
فسجلت أرقاماً قياسية في البيع على صعيد الكتب المطبوعة وحطمت شبابيك التذاكر على صعيد الأفلام الكرتونية الخاصة بالأطفال.
وكان المخرج السينمائي سام غابارسكي قد اقتبس مانغا« الحي البعيد» ليجعل منه فيلماً خارجاً عن المألوف عام 2010 وليطوعه اليوم دوريان روسيل ليغدو عملاً مسرحياً نادراً في طرحه لهموم عصر المكننة والاستهلاك.
يدور موضوع هذه «المانغا» حول رب أسرة لم يتجاوز سن الثمانية والأربعين فيجد نفسه في أحد الأيام داخل قطار يعيده إلى مرحلة الطفولة دون أن يدري كيف صعد إلى هذا القطار حيث يعيش هذا الرجل طفولته الأولى والمرحلة الابتدائية على هامش رحيل والده عن الأسرة دون أن يخبر الوالد الزوجة أو إلى صديق له عن أسباب مغادرته المنزل وتركه لعمله، ويتساءل هل كان باستطاعة الولد التصدي لوالده للحيلولة دون تركة أسرته ومنزله، وبالتالي تغيير مسيرة الحياة والمستقبل لهذه الأسرة؟
يطرح موضوع « الحي البعيد» هذا التساؤل دون الإجابة أو البحث عن تفسير مقنع.
ترى هل يقف الاستلاب الفكري وراء هذا الهروب؟
ربما تكون تداعيات تفجيرات هيروشيما وناغاساكي خلف تلك الخطوة المصيرية، أو ربما ضغوط الحياة العصرية المتسارعة وهواجسها هي التي دفعت الأب وابنه للإقدام على هذا العمل الانهزامي، فعصر المكننة اليابانية جعل المجتمع الياباني أو شرائح منه تعاني حالة استلاب وجداني يقودها في اللاشعور إلى غياهب الضياع واللامعقول حين يصبح الإنسان أشبه بآلة تدور وفق برنامج عمل روتيني ليس إلا... وهذا ما أشارت إليه اعترافات بطل هذا العمل الذي يسافر عبر الزمن إلى ما قبل مرحلة الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.
مرحلة لا تزال تؤرق جيلاً عاش تداعيات ويلات الحرب على غرار تانيغوشا وأمثاله من المثقفين اليساريين.
يشارك في بطولة مسرحية«الحي البعيد» كريك كجار وفيرنانديز كافادا وماثيو ديلمونت وباتريشيا بوشار وردولف ديكوسكي وإيلودي وبير وآن جيلو وغيرهم من المسرحيين المعروفين.
ترجمة: مها محفوض محمد