عرض (الزيارة)..وأحلام تصل أهدافها
مسرح الثلاثاء 11-9-2012 آنا عزيز الخضر تجسدت العلاقة بين الحاكم والمحكوم في غالبية الأعمال المسرحية والفنية، من خلال (ثيمه) تتشابه في كثير من العناصر، إذ يرتبط الطرفان بآليات عابرة، لكنها في نفس الوقت هي مفصلية،
حيث تعتبر تلك المحطة غاية في الشفافية والصدق، وتظهر كل أشكال العلاقات المختلفة بين الطرفين، مطالب، أماني، طموحات، حكايا ووقائع تصور وتنقل وتظهر الواقع بكل مافيه، وكل ما يتعلق بدقائق تلك العلاقة، حيث يتم الاستفادة منها في الكثير من الطروحات، التي تعالج قضايا متنوعة، وتفتح الأبواب على مصراعيها للوقوف عند كل شاردة وواردة، حيث يتاح المجال أمام أمثال تلك الأعمال الكشف عن السلبيات، التي تقف عائقا بوجه عامة الناس، كي يعيشوا بالشكل اللائق، وبالتالي المعالجة لهموم تخص أوسع الشرائح الاجتماعية، وفي كل المجالات، فالأعمال الفنية على أنواعها كثيرة في هذا السياق، من تلك الأعمال المسرحية كان عرض (الزيارة) على صالة مسرح (نبيل يونس) إعداد وإخراج(سابا وهبي) عن نص للكاتب الاسباني (خوليو ريبيورا)، حيث ينطلق العرض بداية من خلال الاهتمام بحياة زوجة وزوج من البسطاء، يعيشان هموما كثيرة، ويعيشان الأحلام المستمرة بالتخلص منها، فالطموحات بسيطة، لكنها تعني الكثير، وها هما يسعيان دوما إلى حياة كريمة، تخلصهما من الفقر، والعوز الضارب الأطناب في حياتهما، يسعيان في كل الاتجاهات دون نتيجة، فما كان من ذلك الرجل الزوج، إلا التوجه إلى الإمبراطور، وتأمين مقابلته بطريقة ما، دون أن يخبر زوجته، ثم الادعاء بان هناك قرابة تجمع الاثنين، ويحاول دعوة الإمبراطور لزيارته، فيعده الأخير بها، من هنا تبدأ الأماني والطموحات بالتحليق عاليا، وتتوارد إلى ذهنه الوظائف العليا والرفاهية، بينما يحاول الهروب من الفقر بالأوهام وهكذا، وعبر الانتظار لتلك الزيارة، تتداعى وتتضح الكثير من المشكلات، التي يعانيها الزوجان كأسرة من أسر كثيرة، من ضمن تلك الدائرة، وكأنها تتحدث بلسان حال كل تلك الأسر، بعد أن تبرز المعاناة التي رافقت حياتهما بأشكال عديدة، والحرمان حتى من ابسط شروط الحياة المريحة، حيث افتقرا حتى للأدوات المنزلية البسيطة، وكم أحرجا عند التحضير لاستقبال الإمبراطور، وحاولا المداراة عبر استعارة مستلزمات كل ذلك من الجيران، ليظهرا أمام الإمبراطور، كأنهما أغنياء، لكن يتبدى من خلال تلك الاستعارة الكثير من المظاهر التالية والحالات، التي تؤكد تشابه الآخرين مع الأسرة ذاتها، بعد أن تنطلق الأحلام من سجنها، وقد لمع في الأفق بارقة أمل، فاجتمع الكثيرون، واحتشدوا، حيث ضمتهم جميعا تلك الأحلام أيضا، كل أتى لأمر ما، وما حصل أنه أتٍ بالتوازن مع هذه الظروف العامة، رسول الإمبراطور كي يكسر مشهدية الأحلام الواسعة والاحتفالية الكبيرة بها، فيربكها ويثبطها في محطات متتالية، وقد سبق مجيء الإمبراطور، لتأمين مكان الزيارة، ويطل برأسه بين لحظة وأخرى، يسأل ويتقصى عن كل شيء، يبحث ويفتش، وفي النهاية، فلا هما تابعاًأحلامهما، ولا الإمبراطور وصل إليهما، ويؤكد العرض أن تلك الأحلام استمرت، تتسلح بالإرادة، ولم تتوقف، كي تنتصر في النهاية، وتصل إلى أهدافها، وإن تعثرت قليلاً، انتصرت وانتصرت إرادة الخير، ليتم تجاوز هموم أناس كثر وشرائح واسعة، حول الأسلوب والفكرة والحلول الإخراجية، تحدث المخرج والمعد الأستاذ (سابا وهبي) قائلاً: وإن كان العرض يعتمد على نص أجنبي، إلا أنه حمل مفارقات إنسانية مهمة تتعلق بالإنسان ككل، وبالجانب الإنساني العام الذي يعود لكافة البشر ومطالبهما الحياتية، حيث يمكنه الكشف عن الكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية والمادية، في حياة أي مجتمع على اختلافه لذلك استطعنا استخدام النص، وذلك لغناه الإنساني والدرامي، ثم أهمية تلك المحطة(الزيارة)، التي تستقطب الكثير من الرؤيا المركبة إن صح القول، والتي تحتمل الأبعاد المختلفة ، وإن كان الشكل العام للقصة مألوفاً نسبياً، إلا إنه يمكن استثمارها بالشكل الدرامي المطلوب، لإظهار هموم عامة، أتيح لها الخروج إلى النور، فزيارة الإمبراطور لهؤلاء البسطاء، وشخصيته العامة تستحضر مشاكل كثيرة، ومن المعروف أن هذه الثيمة تحديداً، تضع يدها على مكمن الجرح في مواقع عامة كما خاصة، وقد تم استخدام الأسلوب الواقعي، حيث مفرداته وأدواته تمكنه الاقتراب من مشاكل حقيقية وواقعية معاشة، تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، لتجاوزها، فالمشكلات الواقعية والهموم التي يعيشها الفرد، تتطلب المعالجة بأسلوب فني واقعي يتشابه مع الحياة، ويأخذ منها، ومن المفيد بمكان الذهاب إليها مباشرة، ليتم التقديم لها، بآلية درامية، من شأنها أن تسمي الأشياء بمسمياتها، ومن وجهة نظري، لاتحتمل الدلالات والإيحاءات، أو الإقحام لمؤثرات جانبية، وذلك يفيد في الإيغال أكثر للأجواء الدرامية التي تكون أكثر وفاء لمضمونها وطروحاتها، دون إغفال العمل عن آليات درامية دقيقة وذكية، تمتلك القدرة على تعميق الأحاسيس بتبعات كل تلك المشكلة على مساحات أخرى وأزمات أخرى، وذلك عبر حلول فنية وإخراجية ودرامية، ومن خلال شخصيات توجهت دوماً عبر مجريات العرض وتصاعد أحداثه وتفاصيله المختلفة على بساطتها للوصول إلى هدفها، وبالتالي إلى مهمة الفن المسرحي، الذي ينجح أكثر ما ينجح، عندما يقترب من الواقع، ويرى المتلقي نفسه فيه من خلال المرور بتلك الرؤية الإبداعية المختلفة، والتي تترجم مسؤوليتها ومهمتها تجاه الحياة.ولابد من القول بإننا نعمل من أجل وطننا الرائع، وأقول إننا نحبك ياوطني، فأنت الروح والراح، لن نسمح لأحد أن يسكتك يا ذا الصوت الجميل الصداح.
(الزيارة) نص وإخراج (سابا خليل وهبي) تمثيل: (حكم خرب طلي) (ساندي إسحاق) (محمد سلم) أما الفنيون الذين ساهموا بإنجاح العمل مثل الديكور:الفنان «علي الجروان» والإضاءة (ياسين بشار)، وإدارة الفرقة (عامر الجهني)، مساعدة المخرج:(نانسي إسحاق).
|