بسبب الفتق.. أوالفتوقات.. الانشطارات.. التشظيات.. وغيرها من مفردات وخروقات أصابت بنيان المجتمع العربي.. تظهر تشكيلة فنية درامية صاعدة في سماوات فضاءاتنا.
لاحظوا.. (التقليعة) الجديدة التي يمكن تسميتها دراما (بلاد العرب أوطاني).. إذ مؤخراً بدأنا نلحظ وجود العنصر المصري والشامي واللبناني في العمل ذاته.. ومن وراء هؤلاء جميعاً يختلس الداعم الخليجي حضوره بقوة دولاره.
أكيد.. الظاهرة صحية حينما يتم تقديم أحداث العمل وشخصياته، بلهجاتها المتعددة، ضمن مبرر درامي يبيح ويجيز هكذا علاقات في الأسرة الواحدة.
لكن.. تأملوا.. ودققوا.. في ذات النمط الأسري الذي يتم تسويقه في كذا عمل، ضمن العروض الرمضانية لهذا الموسم، نمط متعدد (اللسانات).. متنوّع اللهجات.
هل يعبّر الأمر عن واقع تشظٍ وانشطار في بنية الأسرة العربية.. أم أن العكس هو الحاصل.. ؟
هل يعبّر عن تشظيات أصابت العقلية المسؤولة عن الدراما العربية بعمومها.. ؟
كيف لنا أن نستثيغ ونتقبّل الصيغة نفسها من أسرة فيها الأب من جنسية والأم من أخرى.. ولا بأس من كون الأبناء ينتمون إلى ثالثة.. دون وجود بنية درامية مقنعة وصادقة.. ؟
في مسلسل «لو» تظهر شخصية (غيث، عابد فهد) بلهجته الشامية، ثم بعد منتصف المسلسل نكتشف أن أباه مصري، أدّى الدور الفنان (عبد الرحمن أبو زهرة). والدته شامية أدتها الفنانة السورية أنطوانيت نجيب، لكن زوجته لبنانية أدّت دورها (نادين نسيب نجيم).. وكل منهم حافظ على لهجته.
نفس الفبركة تتكرر بكذا عمل، مثلاً في (حلاوة روح) الأم سورية أدت الدور (فرح بسيسو)، زوجها مصري أدّى الشخصية (خالد الصالح).
في (اتهام) الذي تجري أحداثه ، كما يُفترض، بين مصر ولبنان.. وتؤدي دور البطولة فيه ميريام فارس.. يتم تظهير نفس النمط الأسروي الذي ينتمي إليه الشاب (خالد، حسن الرداد) المصري، كما أبيه، لعب الدور الفنان (أحمد خليل).. بينما والدته لبنانية أدّت الدور الفنانة اللبنانية (تقلا شمعون).. وتظهر كذلك أختاه باللهجة اللبنانية.
أيضاً في (قلم حمرة).. يُعيد عابد فهد الكرّة بزواجه من لبنانية.. هو الشامي بينما ابنته ترطن باللهجة اللبنانية.
كل هذه الأعمال، وضمن سرد حكايتها، لا تُقدم المبرر الدرامي الذي يُقنع المتلقي بوجود هذه التشكيلة من (اللسانات) العربية تحت سقف درامي واحد.. ولا حتى مكان الحدث، جغرافيته، ليست بالمكان الذي يُتيح مثل هكذا علاقات.
قبل هذه المسلسلات عُرض عمل (الإخوة)، وهو متاهة ليس لناحية علاقات شخصياته المتداخلة ببعضها، إنما لجهة جنسياته المتعددة..
ومع ذلك.. تلافى فريق العمل الوقوع في خطأ «المكان- الجغرافيا».. لهذا تأتي الخلفية المكانية في مدينة تحتمل وجود جنسيات عربية متعددة.. هي إحدى مدن الإمارات العربية.
دراما (بلاد العرب أوطاني).. ليست أكثر من دراما انزياح مصالح فنية لأفراد.. لم يمارسوا أو يلعبوا لعبة النأي بالنفس فنياً.. إنما أتقنوا لعبة الانغماس والانخراط عميقاً في خارطة توزيع الأداء الدرامي.. الجديدة.. الموازية لخارطة الجغرافيا السياسية.. لكن المخالفة لها في بوصلة الاتجاه.
وكأننا في عصر باتت الدراما فيه تُكتب تحت الطلب.. دراما تفصيل.. أهم سماتها احتواء النص على تكويعات وانعطافات تميل وفق ميلة «لسانات» شخصياته.. وكلما اشتمل على أبطال بجنسيات مختلفة كلما حقق شرط الادهاش وأثبت العبقرية لاسيما الإخراجية..
طرش وجوهنا وطمس أسماعنا بوهم «وحدة» فنية.. لا يغدو أكثر من محاولة لترقيع الواقع العربي.. أو محاولة لإخفاء واقع «ترقيع».. ملء فراغاته.. بلطخات أدائية منوّعة.. لكنها غير مقنعة.. كولاجات نافرة لا تنسجم مع أساس اللوحة الدرامية المُقدَّمة.