منهياً بذلك نحو ثلاثة أشهر من معاناة هذه البلدة السياحية الوادعة مع هذا الغزو الهمجي الوهابي السلجوقي الذي لم يعرف التاريخ مثيلاً لانحطاطه وفظائعه.
ويعتبر هذا الانجاز الجديد للجيش العربي السوري الذي ساهمت به قوات الدفاع الوطني وسرايا المقاومة الشعبية إنجازاً نوعياً بكل المقاييس لأنه أنهى حلم شراذم المليشيات المسلحة بالحصول على منفذ بحري في الريف الشمالي لمدينة اللاذقية بالشكل الذي كان يتم الترويج له، كما حطم أحلام الطاغية السلجوقي التركي رجب أردوغان باحتلال مناطق جديدة في سورية تكون مقراً لإرهابييه واستخباراته لنشر المزيد من الفوضى وارتكاب المزيد من الإرهاب والتخريب، وحصن مدينة اللاذقية وريفها من قذائف الغدر والإرهاب التي كان يطلقها الإرهابيون من هذه المنطقة ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة، كما أنه أثبت نجاعة العمليات التكتيكية التي تتبعها قواتنا المسلحة الباسلة في مكافحة ومحاربة هذا النوع من المرتزقة والإرهابيين، وأعطى صورة حقيقية عن القدرات القتالية الرائعة التي يتمتع بها أبناؤها في الظروف الاستثنائية والصعبة التي تميز هذا النوع من المعارك، التي تتداخل فيها الجبهات مع الحدود وتتعدد فيها الجيوب إضافة إلى ما يسمى قتال المدن، والأهم في معركة تحرير كسب هو أن التحرير تم بعمليات نوعية من قبل بواسل قواتنا المسلحة وبأفدح الخسائر والأضرار في صفوف وعتاد وأدوات وطرق إمداد الغزاة الغرباء.
وكما جرى سابقا في منطقة القلمون وقبلها في مدينة القصير وريفها استطاع الجيش العربي السوري أن يسيطر على المرتفعات الإستراتيجية الحاكمة ببلدة كسب وأن يطرد الإرهابيين منها حيث سقطت التلة تلو الأخرى أمام ضربات الجيش، ما أفقد المسلحين القدرة على الاندفاع لتعويض خسائرهم واستعادة المناطق التي فقدوها، وأسقط من أيديهم القدرة على المناورة والاستفادة من الدعم الخارجي وخاصة السعودي والتركي، وتحولت المعركة إلى حرب استنزاف قصيرة سقط خلالها مئات القتلى في صفوف الإرهابيين وفر الباقي منهم إلى ريف إدلب بعد أن أغلق التركي المحبط والمرتبك في وجوههم بوابات العودة إلى داخل اللواء اسكندرون السليب، في رسالة مفادها «عليكم أن تقاتلوا حتى الموت فنحن لا نأمن غدركم»، وبما أنهم غرباء مأجورون لا قضية لهم فقد أرغموا على التقهقر والفرار والاختباء في الأودية والغابات ليعيشوا فيها عيشة الكلاب الشاردة بانتظار أن تأتيهم بواسل الجيش العربي السوري وتستكمل مسيرة القضاء عليهم قضاء مبرماً.
ما جرى في كسب كان بكل المقاييس صادما للإرهابيين وداعميهم بحيث تم تجاهل أخبار هزيمتهم واندحارهم في الإعلام المأجور الذي لطالما طبل وزمر وهلل كثيرا لسقوط كسب في براثن الإرهاب التكفيري، معتبرا أن مثل هذا السقوط هو بداية تحول استراتيجي في الحرب الإرهابية التي يقودها الغرب وأدواته العربية والإقليمية ضد سورية.
ما تؤشر إليه معركة تحرير كسب ومحيطها هو أن مسيرة الإرهاب في سورية دخلت مرحلتها الأخيرة، فما من منطقة دخلها الإرهابيون مكرا وغدرا إلا وكان مصيرها التحرير والعودة إلى حضن الوطن، إذ لم يعد ثمة سوري واحد لديه الحد الأدنى من الشعور الوطني يعتقد أو يصدق أن مثل هؤلاء الإرهابيين يمكن أن يكون لهم مستقبل في سورية أو بين السوريين بعد أن افتضحت جرائمهم وعمالتهم لأعداء الشعب السوري، واتضح مشروعهم الظلامي التخريبي التدميري الذي لا أفق له، وبعد أن ذاق بعض المتورطين والمغرر بهم مرارة التعاون والتعاطي معهم، فهؤلاء الإرهابيون الفجرة الذين لا دين لهم إلا القتل والتخريب والفوضى والجهل لم يرحموا الناس حتى في البيئة التي تحتضنهم، فمارسوا القمع والتنكيل والقتل والسلب والنهب والفجور بكل أشكاله تحت يافطة الدين، ودمروا الكنائس والمساجد والمشافي والمدارس والأسواق، وقطعوا الأرزاق والطرقات والمياه والكهرباء وكل أسباب الحياة، وانتهكوا الحرمات والمقدسات بحيث لم يسلم منهم الأموات في قبورهم، وفجروا وقتلوا واختطفوا الأطفال والنساء والشيوخ ورجال الدين دون أي ذنب وبلا مبرر ودون أي وجه حق.
وكان الدليل الأكبر على سقوط مشروعهم هو حالة الفوضى والتناحر التي اعترت صفوفهم بحيث بتنا نسمع في كل يوم عن انشقاق جديد وعن انهيار جديد وعن صراع جديد بين شراذمهم الإرهابية، كما أن الانتخابات الرئاسية التي جرت بداية الشهر الجاري وما شهدته من إقبال جماهيري منقطع النظير أعطى رسائل واضحة بأن الشعب السوري بعيد كل البعد عن هذه الثقافة الإرهابية التي تكرسها الجماعات المسلحة، إضافة إلى ذلك فإن الداعمين الأصلاء لهؤلاء التكفيريين بدؤوا بالتخلي عنهم شيئا فشيئاً وإن كانت بعض الأدوات الإقليمية القذرة ما تزال تتمسك بحبال الوهم التي قطعها شعبنا الصامد وجيشنا البطل على مدى السنوات الماضية، وعليه فإن إرادة السوريين الصلبة هي التي ترسم ملامح المرحلة القادمة وتستعيد دورة الحياة والأمن والاستقرار والازدهار بعيداً عن أي إرادة غريبة أو تدخل خارجي.