أو تتقبّل تأسيس نقطتين بدلاً من مورك في شمال خان شيخون إلى الجنوب من معرة النعمان لأن النقاط الـ 12 التي أقامها أردوغان كانت قد حُدِّدتْ مع الضامن الروسي في سوتشي وأستنة، ولا يمكن لهذا الأخير أن ينشئ نقاط مراقبة أخرى من دون العودة إلى الضّامنين: الرّوسي والإيراني. ومن الواضح أمام المجتمع الدولي أن أردوغان المتفلّت من توافقات سوتشي وأستنة يتخايل باستمرار في أوهامه على أنه يُدير جبهتين في شرق الفرات، وإدلب، وهو في الجبهتين ليس على وفاق مع أحد.
ففي الجبهة الأولى: الأكراد التابعون لأميركا وأحلامهم في الإدارة الذاتية التي تؤسس لهم بخيالاتهم قاعدة الكانتون الانفصالي المدعوم من أميركا، وإسرائيل.
وفي الجبهة الثانية: يحلم بامتداد المنطقة الآمنة حتى حدود تحقيق المزاعم السّلطانية شمال إدلب، وحلب. وبناء عليه نجده -أي أردوغان- مضطرباً غير مستقرّ السياسة والأهداف يحاول أن يصدّر أزماته الداخلية التي وضعت له العد التراجعي: من مسألة اعتقال عشرات الآلاف بحجة مساندتهم لكولن، ثم من السقوط المدوي له في انتخابات بلدية اسطنبول، والنجاح الكبير للمعارضة. ووفقاً لمقتضاه أصبح أردوغان في عنق الزجاجة ولم يعد له الحليف الدولي الذي يثق به فلا الأميركيون الذين ورطوه لكي يكون خدماً للصهيونية فيخون قضية القدس رغم أخوانيته، ولا الأوروبيون مطمئنون له كرئيس باعتباره يفتقد للمصداقية في السياسة ولم يبق في نظامه ما يُنسب إلى الديمقراطية. ولا الاتحاد الروسي الذي اختبره في آلية أستنة ثلاث عشرة مرة ولم يكن وفياً لما يعاهد عليه وكذلك لقد اخترق توافقات سوتشي ولا سيما فيما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد،
وأخيراً ما اتفق عليه في أستنة من انسحاب الإرهابيين عشرين كيلومتراً إلى الشمال وتسليم أسلحتهم المتوسطة والثقيلة. والأخطر من هذا كله أنه قد وفر للإرهابيين على مختلف مسمياتهم السلاح المؤثر في الطيران، وفي الدبابات ويدعي أنه يحارب الإرهاب في إدلب.
وكان قد اتخذ ذريعته من قبل فأقام نقاط المراقبة الاثنتي عشر حتى يمكن لنفسه بأكثر من موطئ قدم في إدلب، ويجعل من هذا الأمر واقعاً يمهد له في تحقيق نزواته في مايسمى «شرق الفرات».
وفي الوقت الذي عاد فيه من أستنة 13 وجدناه يشجع الإرهابيين على عدم القبول بما اتفق عليه ورفض الانسحاب إلى عشرين كيلومتراً مع تسليم السلاح المتفق على تسليمه. كذلك رأيناه يصمت عن مهاجمة النصرة ومشتقاتها لمراكز تواجد الجيش السوري، وكذلك صعدت مجموعات الإرهاب حيث هاجمت قاعدة حميميم الروسية غير مرة بالصورايخ، وبالطيران المسيّر عن بعد. وحين تأكد للجيش السوري وحلفائه اختراق الإرهابيين لتوافقات أستنة 13 وخاصة ما عُرف عن النيات الأميركية الخبيثة في دعمهم كان لا بد من التحرك الميداني للجيش حتى يفرض بالميدان ما تم التوافق عليه في أستنة وسوتشي، ولم يمضِ الأسبوع الأول حتى انهارت صفوف الإرهابيين وشرع فرارهم باتجاه الحدود التركية يقلق أردوغان وأميركا بآن معاً فلذلك قام أردوغان بإرسال أرتال عسكرية تحت ذريعة الوصول إلى نقطة المراقبة في مورك، وهذا يعني الوقوف بوجه الجيش السوري المتقدم نحو خان شيخون ومنعه من القضاء على الإرهابيين فيها.
وهنا كانت رسالة جيشنا واضحة لأردوغان حين قام بقصف الطلائع الاستطلاعية الإرهابية التي تؤمن الطريق لأرتال أردوغان ما أجبر هذه الأرتال على التوقف والاختباء شمال معرة النعمان. والمعروف وفق تصريح وزارة الخارجية والمغتربين السورية بأن دخول القافلة التركية يؤكد مجدداً استمرار الدعم اللا محدود من أردوغان للمجموعات الإرهابية.
كما يعتبر انتهاكاً فاضحاً لسيادة ووحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية، وللقانون الدولي كذلك. وقد اختُتم تصريح الخارجية السورية بأن هذا السلوك العدواني للنظام التركي لن يؤثر على عزيمة وإصرار الجيش السوري على الاستمرار في مطاردة فلول الإرهابيين في خان شيخون وغيرها حتى تطهير كامل التراب السوري من الوجود الإرهابي. والمثير في إرسال أردوغان أرتاله العسكرية لنجدة الإرهابيين أنه لم يتمكن حتى اللحظة من تحديد معركته، وخدمة المصالح القومية العليا للدولة التركية. وهو الآن داخل بلده، وفي آراء القوى السياسية الفاعلة في تركيا يمثل الخائن الأكبر لمصالح الشعب التركي، وهو من أدخل تركيا في معركة ليس للأتراك فيها أي مستقبل بل مجموع مآلاتها هي في خدمة إسرائيل والصهيونية، وفي خدمة انتشار الإرهاب إلى أكبر مساحة دولية كما أشار إليه الرئيس بوتين مؤخراً في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي ماكرون. ورغم هذا السلوك العدواني لأردوغان سيواصل الجيش السوري تقدمه في خان شيخون مستهدفاً تعزيزات الإرهابيين التي تصلهم عن الطريق الدولي حلب-حماة. ومن غريب الحال في سياسات الحلف المعادي لسورية أن يصفوا جبهة النصرة، ومفرزاتها في هيئة تحرير الشام، والجبهة الوطنية للتحرير وغيرها مثل فيلق الشام بأنها معارضة معتدلة مسلحة.
ومعروف كيف ولّف الأميركيون والصهاينة الإرهابيين وأعطوهم المصطلحات التي تخرجهم من تصنيف الأمم المتحدة لهم حتى يواصلوا سيطرتهم على إدلب، وبقية المناطق السورية التي ساعدتهم أميركا وأدواتها على أن يكون لهم سيطرة فيها. أما اليوم فاللغة للميدان والإشارة واضحة لمن ألقى السمع وهو شهيد بأن الجيش العربي السوري وحلفاءه لن يتوقف زحفهم في خان شيخون وغيرها حتى يتم تدمير الإرهاب في كافة الأراضي السورية، وقد سمعت أميركا كما سمع أردوغان أصوات شعبنا العربي المخطوف في إدلب أنهم جميعاً يتوقون إلى اللحظة التي يدخل فيها الجيش السوري ويحررهم من ربقة الإرهاب التكفيري المدعوم من الغرب المتصهين، ومن الأدوات الإقليمية: الأعرابية، والمتأسلمة.