وفي هذا الإطار تنبأ مارك شيتين بقرب انقراض الأجناس الأوروبية المنشغلة جداً بالأمور الذاتية إلى درجة لم تعد تهتم بالإنجاب والتكاثر بينما حذر المرشح الرئاسي الجمهوري لعام 2008 مت رومني من أن أوروبا تواجه حالياً كارثة ديمغرافية، على صعيد آخر يميل الليبراليون إلى اعتبار شبح زيادة عدد السكان بأنه يشكل تهديداً أكبر من ذلك بكثير. فأي من وجهات النظر هذه هي الصحيحة يا ترى؟ هل مستقبلنا فعلاً مهدد من قبل الزيادة السكانية أم بسبب النقص السكاني، برأيي إن الجواب هو في الاثنين معاً، لكن الشيء المثير للسخرية هو أن المشكلتين لهما نفس الحل فيجب على النساء التحكم في خصوبتهن وحياتهن لأن معدلي الولادة العالية جداً والمنخفضة يهدد الاستقرار الاجتماعي، كلاهما يؤشر على فشل البلدان باتباع سياسات سكانية صحيحة.
فعدد سكان العالم يزداد سنوياً حوالي 78 مليون نسمة، ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة فإن العالم سيستمر في الزيادة ما بين 70-75 مليون نسمة حتى عام 2020، وأغلب تلك الزيادة ستحصل في المناطق العشوائية لبلدان العالم الثالث ، وكما قال مايكل هايدن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السي آي إيه في خطاب له العام الماضي بحلول منتصف القرن وكما تشير التقديرات أن عدد سكان العالم سيتجاوز التسعة مليارات نسمة وهو يمثل زيادة ما بين 40-45٪ لكن من المؤكد تماماً أن أغلب تلك الزيادة ستحصل في البلدان الأقل قدرة على تحملها أي الأماكن التي يحتمل أن يغذي تضخم عدد السكان فيها التطرف وانعدام الاستقرار ليس في تلك المناطق فقط وإنما في أبعد منها أيضاً.
إن الطريقة الفعالة والأخلاقية لمعالجة مشكلة الزيادة السكانية تتمثل في تعزيز ودعم حقوق النساء وتحسين التخطيط العائلي، وبلاشك فإن التعليم هام جداً حيث وجدت الدراسات أن فتيات المدارس عندما يتزوجن لاحقاً ينجبن أطفالاً أقل عدداً وأكثر صحة، لكن وسائل منع الحمل تلعب دوراً رئيساً أيضاً، فوفقاً لمعهد جوتميكر فإن ربع النساء المتزوجات تقريباً في بلدان جنوب الصحراء الإفريقية لا يجدن فائدة من وسائل منع الحمل، يقال في عدد من بلدان أميركا اللاتينية وإفريقيا إن أكثر من 40 بالمئة من الولادات الحديثة لم يكن مرغوباً فيها، إضافة إلى ذلك فإن معدلات ارتفاع الإجهاض غير القانوني وغير الصحي والمسؤول عن 13٪ من وفيات النساء أثناء الحمل أو بعده في العالم وفقاً لمنظمة الصحة العالمية يعكس رغبة النساء القوية بالتحكم في فرص الإنجاب لديهن. وبالتوازي تعاني بلدان متقدمة مختلفة من بينها إيطاليا وروسيا واليابان واسبانيا من مشكلة النقص السكاني ويستغل بعض المحافظين الاجتماعيين في هذه البلدان تهديد انخفاض عدد سكان العالم ليجادلوا بضرورة وضع قيود على حقوق النساء، ولكن عندما تصبح المجتمعات مصنعة وتنعم النساء بقدر من الحرية فإن عكس ذلك هو الذي يحصل. يشير الواقع إلى أنه كلما أتيحت للنساء في البلدان المتقدمة فرص أكبر للعمل كلما زاد احتمال إنجابهن للأطفال لأنهن يستطعن ذلك من دون أن يضطررن للتخلي عن أحلامهن الأخرى وقد خلص ديفيد ويليتس عضو البرلمان البريطاني وأحد أعضاء حزب المحافظين في تقرير حول مشكلات نظام المعاشات الأوروبي إلى أن الدليل الذي تقدمه إيطاليا واسبانيا هو أن البنية العائلية التقليدية حالياً تؤدي إلى معدلات ولادة منخفضة جداً، واعتبر أن السياسة العائلية المعاصرة يجب أن تقوم على تقوية ودعم اختيارات النساء بحيث لايضطررن للتخلي عن إنجاب أولاد في سبيل حياة مهنية مرضية وزيجات مبنية على المساواة.
وخلال العقود القادمة سيمثل الأوروبيون نسبة آخذة في التقلص من سكان العالم، فإذا كان عدد سكان أوروبا في بداية القرن العشرين يعادل ثلاثة أضعاف عدد سكان إفريقيا فإن عدد سكان إفريقيا من المتوقع أن يصبح في عام 2050 ثلاثة أضعاف عدد سكان أوروبا.
ويستطيع المرء أن يقبل ويرحب بآفاق هذا العالم الجديد لكن شريطة أن يرى التغيرات تحدث بشكل يسمح للبلدان بالتأقلم وبالختام نقول: إذا منحت النساء الدعم والحرية فإنهن سيجدن التوازن الإنجابي وعندها تتقلص المجتمعات أو تزداد فإنها تفعل ذلك بشكل يمكن إدارته التحكم فيه، إن الدرس الذي يقدمه هذان الخطران الديمغرافيان واضح لا غموض فيه فإذ اعتنيتم بحقوق النساء فإن بقية المعادلة السكانية ستكون بخير.
بقلم: ميشيل غولدبيرغ 9/6/2009