غير أن المواطن العربي لكثرة ماسمع عن التضامن والوفاق دون أن يلمسه، أو يراه، أو يشعر به على أرض الواقع، أصبح الحديث عن هذا التضامن بالنسبة إليه كما الابر في الدم، وكما النوم على المسامير.
ذلك أن العرب لعلة لايعرفها إلا الله، لايمر بخاطرهم هذا التضامن إلا عندما يداهمهم خطر طارئ، أو حينما يدق باب أحدهم طامع أو عدو غاصب، ثم بعد أن يسقط هذا الخطر بالتقادم أو بالاعتياد على معايشته دون زواله يعود كل إلى مستقره، وإلى مركز بدايته ورحم الله التضامن والحديث عن التضامن وأهميته في ضمان الأمن القومي العربي وضرورته لحماية الوجود العربي حتى بات التضامن وكأنه ابرة منوم أو مسكن يعطى للمواطن العربي العادي بهدف واحد لاغير هو ترويضه على قبول الكارثة التي حلت به في منطقة ما في هذا الوطن المترامي على مساحة لاحصر لها من خريطة هذا العالم. ثم بعدها يعود العرب ليتحدثوا بواحد وعشرين لساناً عن واحد وعشرين رأياً.
في برج بابلي عربي غريب عجيب لاأحد يفهم على الآخر، ولاالآخر يريد أن يفهم على غيره، وهكذا دواليك حتى تحمل الأيام خطراً جديداً أو كارثة جديدة فتبدأ الألسنة الحديث عن التضامن في البرج البابلي العربي العجيب. ولكن على أرض الواقع نسمع أقوالهم ونتعجب لأعمالهم. وفي هذا السياق يضرب الإنسان العربي رأسه بالأشياء الصلبة أمامه، ويشق قميصه، ويستعين بالله الرحمن الرحيم.
نقول ذلك بمناسبة مايجري حالياً على الساحة العربية من تحرك لتحقيق التضامن العربي لمواجهة الأخطار التي تتعرض لها الأمة العربية.
بالطبع نحن نريد أن نكون متفائلين إلى أبعد الحدود، ونبارك كل الخطوات الحقيقية والجادة في سبيل هذا المطلب القومي الأساسي، ومن أجل أن نصل إليه قولاً وفعلاً، وأن نراه حقيقة وواقعاً أكيداً فقد بحَّ صوتنا ونحن ندعو إلى توحيد كلمة العرب ورص صفوفهم ونسخر امكانياتهم وتوظيف طاقاتهم البشرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية لمواجهة أعدائهم والمتآمرين على مصيرهم ووجودهم.
ولكننا نخشى في نفس الوقت أن تكون الدعوة الحالية إلى التضامن ليست أكثر من زبد في بحر أو نغم يطربنا قليلاً ثم لايلبث أن يزول بعد أن يتركنا ننثرهم على باعث النقمة ومطرب الحي في المناسبات الآتية السريعة.
ومايدفعنا إلى الخوف من نتائج هذه التحركات كونها تنطلق من أرضية رخوة لاتحمل حتى الآن أسساً صحيحة تنتهي بهذه التحركات إلى المسار الأًًصيل القادر على تحقيق التضامن وإحياء الوفاق بين العرب.
والذي نعرفه أن الخلافات العربية القائمة بين الأقطار العربية ليست خلافات هامشية كلها وليست جانبية كلها كما يقال: إنما هناك خلافات جوهرية وعميقة حول الكثير من المسائل القطرية والقومية، كما أن الأخطار الجديدة التي دفعت أو فتحت عيون العرب على أهمية التضامن العربي والحاجة الملحة إلى بعثه وإحيائه ليست في حقيقتها أيضاً أخطار مستجدة أوتيت ساعتها وإنما هي موجودة وقائمة منذ أزمنة سحيقة وهي في نفس الوقت متزامنة مع غياب التضامن ونتيجة للتمزق والانقسام العربي.
إذن لماذا أغفلنا كل هذه المدد الطويلة عن التضامن وأحسسنا بأهميته الآن ثم كيف نستطيع أن نحقق خطوة واحدة باتجاه إحياء التضامن ونحن لم نحدد منذ البداية نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف فيما بيننا.
إن التضامن العربي لن يتحقق إلا إذا تم الاتفاق على الاطار المتوقع للعمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة.
وهذا يقودنا إلى السؤال التالي، العمل المشترك ضد من؟
وهنا في اعتقادنا بيت القصيد، وبالتالي هنا تتمحور المشكلة، وعلى ضوئها يتحدد مصير التحركات الحالية فإما أن تبقى القوة العربية ممزقة ومبعثرة وليس أمامها إلا تغطية عجزها بالضجيج الفارغ، وإما أن نتوحد وتبدأ مرحلة جديدة من مراحل المواجهة الفعلية لإعلاء الأمة العربية.
إن الولاء القومي والوطني هو المحك الحقيقي لقيام تضامن عربي أصيل، والاطار الأكثر تألقاً والأكثر صموداً للعمل العربي المشترك.
وفي يقيننا أنه لايحق لأي عربي مهما كانت المبررات التي يوردها أن يكسر هذه القاعدة القومية المقدسة إذا كان صادقاً وراغباً حقاً في بناء التضامن وارساء أسس العمل المشترك.
وعلى هذا الأساس يكون الطريق إلى تضامن عربي أكيد باعلان العرب جميعاً من المحيط إلى الخليج وقوفهم إلى جانب سورية ضد العدو الصهيوني لاسترجاع الجولان وتحريره، ووقوفهم كذلك إلى جانب الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه المشروعة في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وكذلك وقوفهم إلى جانب لبنان في تحرير بقية أرضه المحتلة.
وفي يقيننا أن أي حديث لايمر من هذه الحقائق ولايؤمن بها لن يعطي ثماره على صعيد بناء القوة العربية الواحدة الموحدة. كما أنه بغير هذا لن تكون التحركات الجارية الآن أكثر من إبرة مخدر.. ومن ثم نستيقظ على الحقيقة المرّة وهي دخول العرب في مرحلة الانهيار القومي والوطني والاجتماعي.
إن الولاء للوطن وللأرض ولكل ذرة تراب منها هو الاطار الحقيقي للعمل العربي المشترك.
وماعداه.. وهم وضلال.