بلغ حداً من الخطورة يوازي الخطورة التي تجسدت قبل وإبان النكبة، ففي ذلك الحين وضعت الصهيونية نصب عينيها هدفاً محدداً، ألا وهو الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأرض لإقامة دولة، اليوم يتجسد العداء والعنصرية في شعار «يهودية الدولة«، أي وكما يقال باللغة العنصرية «تطهير إسرائيل من كل العرب«، وهذا الطرح ليس طرحاً حزبياً لحزب أو حزبين متطرفين، بل أصبح اليوم سمة مجتمعية وهنا مكمن الخطورة، حيث باتت هناك علاقة تبادلية بين الحقد والعنصرية داخل المجتمع الصهيوني وبين شعار «يهودية الدولة«، فكلاهما يغذي الآخر ويحثه نحو الأمام، وحتى الأحزاب المصنفة يساراً لم تسلم من تلك النزعة والشوق لرؤية إسرائيل خالية من العرب، فعلى مدار سنوات عدة تولى شمعون بيريس وهو على رأس حزب العمل مسؤولية ملف تهويد النقب والجليل المسمى مشروع «تطوير النقب والجليل«، حيث لاتعترف إسرائيل بعشرات القرى والبلدات العربية هناك وهي تحت تهديد الإزالة.
والحديث عن تنامي العنصرية داخل المجتمع والمؤسسة الرسمية في إسرائيل، ليس نوعاً من الخطابة أو البلاغة اللغوية، بل هناك مؤشرات ومعطيات تبدأ من استطلاعات الرأي ولاتنتهي عند حدود الممارسات العدائية اليومية على الأرض، بل تعدت ذلك نحو سن قوانين تشرعن العداء والعنصرية، وتجرد الفلسطينيين من حقوقهم التي انتزعوها عبر كفاحهم المرير، والاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم، وذلك تمهيداً لترحيلهم. «الترانسفير« ذلك المصطلح الذي أصبح يجد له مكاناً في أدبيات التسوية، عبر مصطلحات تبادل الأراضي والسكان، إذ بات من المتعذر أن تجري عمليات التطهير العرقي من خلال المجازر والترحيل الجماعي كما جرى إبان النكبة، رغم أن ذلك ليس مستبعداً وخاصة عندما يصبح المجتمع الصهيوني مشحوناً بالكراهية والحقد، وعمليات إحراق البيوت العربية كما جرى في عكا من قبل المتطرفين اليهود، ماهي إلا نموذج لما يمكن أن يكون عليه الوضع مستقبلاً مع مزيد من الجرعات العدائية.
تشريع العنصرية داخل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية
والأخطر من كل ذلك كما يكشف التقرير «إن اقتراحات القوانين التي تقدم في الكنيست تزيد من «نزع الشرعية« عن المواطنين العرب، كاشتراط حق التصويت والحصول على المخصصات بأداء الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية، وإلزام الوزراء وأعضاء الكنيست بأداء قسم الولاء للدولة اليهودية، وسياسة واقتراحات قوانين أراضي ال «كيرن كاييمت«. ومن أبرز تلك القوانين العنصرية التي أقرها الكنيست بهدف التضييق على العرب:
- قانون يمنح السلطات المحلية الإسرائيلية الحق في منع العرب من العيش في مناطق نفوذها، وجاء هذا القانون بعد أن رفض المجلس المحلي في بلدة «ركيفت» السماح لزوجين من فلسطينيي عام 48 بالاستقرار في البلدة، بزعم أن «استيعاب عائلة عربية من شأنه أن يمنع يهودا آخرين من الوصول للسكن فيه».
- قانون يسمح بمحاكمة كل من يقوم بزيارة دولة هي في حالة عداء مع إسرائيل، وقد تقدم بمشروع هذا القانون عدد من نواب اليمين لمنع النواب العرب من زيارة سورية على وجه الخصوص ولبنان.
- قانون يسمح بتقديم كل نائب للمحاكمة في حال قام بمهاجمة إسرائيل وطابعها اليهودي أثناء تواجده في الخارج، ويقصد بذلك النواب العرب.
- قانون «المواطنة» الذي يحظر على فلسطينيي عام 48 العيش مع زوجاتهم أو أزواجهم في حال تزوجوا من الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن القانون نزع بأثر رجعي الحقوق التي تمنح لفلسطينيي عام 48 الذين تزوجوا من الضفة وغزة.
- قانون يسمح بخفض مخصصات الضمان الاجتماعي الممنوحة للعائلات كثيرة الأولاد، وبرر النواب الذين تقدموا بمشروع القانون بالقول إنه جاء لدفع فلسطينيي 48 لتقليص أعداد مواليدهم حيث تعتبر أسر فلسطينيي 48 كثيرة الإنجاب مقارنة بالأسر الإسرائيلية.
ومن أخطر القوانين العنصرية التي صدق عليها الكنيست أواخر العام المنصرم، كان التعديلات على «قانون المواطنة« العنصري، والتي تمدد سريان مفعول القانون حتى نهاية تموز 2008 وصوت مع القانون 34 عضو كنيست، بينهم أعضاء من الليكود، مقابل 11 صوتاً ضد القانون، ويمنع «قانون المواطنة» لمّ شمل العائلات التي يحمل أحد الوالدين فيها فقط المواطنة الإسرائيلية حتى جيل 35 للرجال، وحتى جيل 25 للنساء. وقد أضيف عدد من الدول التي تشملها التعديلات من بينها، سورية ولبنان والعراق وإيران.