لكن عرب النقب كانوا الأكثر تضرراً لأسباب مختلفة، أقلها السياسات الإسرائيلية الموجهة بشكل مباشر لتهميشهم وتهويد ماتبقى من الأرض العربية في جنوب فلسطين المحتلة، ورغم تلك المعاناة التي يعاني منها عرب النقب بيد أن الدراسات والبحوث التي تناولت معاناتهم كانت مقارنة مع الدراسات حول اللاجئين وسكان الضفة والقطاع والأقلية العربية داخل الخط الأخضر، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أنه لايمكن دراسة أوضاع عرب النقب بمعزل عن اتجاهات تطور الأقلية العربية في إسرائيل (1.4) مليون عربي في عام 2009، وتتجسد مأساة تلك الأقلية بأوضح صورها في منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة، فمن الاعتقال والملاحقة للشباب العربي هناك، مروراً بهدم المنازل ومصادرة الجيش الإسرائيلي لما تبقى من الأراضي العربية، وصولاً إلى حرمان العرب من أبسط الحقوق الإنسانية من تعليم وصحة.
تستحوذ منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة على أكثر من خمسين في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة ، بفعل الزيادة السكانية العالية بين البدو في تلك المنطقة ارتفع عددهم من نحو خمسة عشر ألفاً في عام 1948 إلى حوالي مئة وخمسة وأربعين ألفاً في عام 2009 يمثلون أكثر من عشرة في المئة من إجمالي عدد العرب داخل الخط الأخضر، وقد سعت سلطات الاحتلال منذ السنوات الأولى لإقامة إسرائيل للسيطرة المباشرة على ماتبقى من أراضي البدو في النقب لمصلحة بناء الترسانة العسكرية الإسرائيلية من جهة، وبناء مزارع حكومية وخاصة من جهة أخرى.
وتبعاً لذلك ألزمت السلطات الإسرائيلية أهالي النقب في بداية السبعينيات في تسجيل أرضهم في دائرة مايسمى هيئة أرض إسرائيل، هذا في الوقت الذي تعرف السلطات الإسرائيلية حقيقة عدم احتفاظ غالبية أهالي النقب البدو بمستندات حول ملكيتهم في أراضي النقب والتجمعات والقرى هناك، ومن الأهمية الإشارة أيضاً إلى أن المحاكم الإسرائيلية كانت أقرت في عام 1948 بأنه لاملكية للبدو في أرضهم وأرض أجدادهم.
وبفعل عمليات المصادرة الإسرائيلية المبرمجة منذ عام النكبة (1948-2009) فإن الحقائق والدراسات المختلفة تشير إلى أن مساحة المنطقة المأهولة بالسكان البدو العرب أصحاب الأرض الأصليين لاتتعدى 240 ألف دونم من أصل مساحة صحراء النقب البالغة نحو ثلاثة عشر مليوناً وخمسمئة ألف دونم، ومن بين أهم الحجج الإسرائيلية للسيطرة على أراضي البدو في النقب حجة الحفاظ على التنظيم الهيكلي للمنطقة، وضبط عمليات البناء بشكل ممنهج ناهيك عن الدواعي الأمنية. وبناء على ذلك تمكنت السلطات الإسرائيلية عبر سياسات سكانية واستيطانية محكمة من عدم الاعتراف بجميع التوسعات العمرانية البدوية وقامت السلطات الإسرائيلية بتجميع بدو النقب في بلدة مرعيت وهذه الخطوة كانت بمثابة اقتلاع وترحيل في ذات الوقت.
وهناك مخططات إسرائيلية لتجميعهم في ثلاث مناطق هي ديمونا، وعراد وبئر السبع، وقد تتم عمليات التجميع في سبع قرى عوضاً عن سبعين قرية بدوية في النقب غير معترف بها أصلاً من قبل السلطات والإدارات الإسرائيلية المختلفة، الأمر الذي سيجعل حياة البدو أكثر هامشية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى.
وأشارت الدراسات المختلفة أيضاً إلى وجود مخططات استيطانية إسرائيلية للانقضاض والسيطرة على ماتبقى من أراضي البدو في قرى النقب لتحويلها إلى مناطق ومزارع عسكرية إسرائيلية، وجرى الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً عن احتمالات مصادرة مئات الدونمات من أراضي البدو في النقب خلال السنوات القليلة القادمة، مايجعل البدو العرب يتركزون في مناطق ضيقة ودون اعتراف بهم كمواطنين لهم حقوق المواطنة الكاملة في دولة تدعي الديموقراطية لمواطنيها، وقد كانت تصريحات طومي لبيد زعيم حركة شينوي حول وضع عرب النقب أصدق تعبير عن توصيف حالتهم، فقد أكد أن كافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عاملت عرب النقب كما عامل الأميركيون الهنود الحمر قبل مئات السنينب.