|
الجولان المحتل .. جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية شؤون سياسية وبالعودة تاريخياً إلى هذه الأطماع ومن خلال الوثائق وتصريحات قادة الصهاينة ومؤتمراتهم التي عقدوها قبل إعلان تشكيل كيانهم الغاصب تتأكد لدينا حقيقة هذه الأطماع وجذورها العميقة في الفكر الصهيوني منذ مؤتمرهم التأسيسي الأول في مدينة بال السويسرية عام 1897 لتتوالى سلسلة الكتابات حول أهمية الجولان ودوره على مستقبل إسرائيل، حيث كتب المؤلف الصهيوني هوراس مييركالين عام 1921 في كتابه الصهيونية والسياسة العالمية: «إن مستقبل فلسطين بأكمله هو بأيدي الدول التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع نهر الأردن وهضبة الجولان السورية». وكان بن غوريون في سنة 1918 قد سبقه بتحديد حدود الدولة الصهيونية المقبلة قائلاً: «تضم النقب برمته ويهودا والسامرة والجليل وسنجق حوران وسنجق الكرك وجزءاً من سنجق دمشق وخاصة القنيطرة ووادي عنجر وحاصبيا وهضبة الجولان». وبالفعل ما إن أعلن الصهاينة عن قيام كيانهم الغاصب على أرض فلسطين المحتلة حتى ظهرت على الملأ المخططات المبيتة للاستحواذ على الأراضي المتاخمة للجولان وبدء السيطرة عليه من خلال تجفيف بحيرة الحولة والمناطق المحيطة بها شمالاً ومصادرة أراضي وأملاك المواطنين العرب، وقامت إسرائيل في خطوة منها لإظهار العضلات واستعراض القوة في الخامس من نيسان عام 1951 بقصف مدفعي للحمة وضواحيها خارقة قرار وقف اطلاق النار على الجبهة السورية، وكان الهدف من ذلك حمل سورية على الإذعان ، ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي رغم قراره رقم 2157 من إلزام إسرائيل على وقف أعمالها بحق السكان في المنطقة المجردة وإعادة حقوقهم التي استلبتها. وبعد عدوان الخامس من حزيران ظهرت موجة من الغطرسة والزهو داخل الكيان الصهيوني بفعل نتائج الحرب والهزيمة التي تلقتها الجيوش العربية وبدأ الحديث يتصاعد عن إسرائيل الكبرى، وأن هذه المهمة لن تقتصر على الأراضي التي احتلت في حزيران عام 1967 وقد بدأت سلطات الاحتلال تجسد استراتيجيتها عملياً من خلال تعزيز تحصيناتها في الجولان من جهة والبدء بأعمال الاستيطان من جهة أخرى وتهجير سكانه، حيث تم طرد حوالي 137 ألف نسمة منه لاستقدام مستوطنين بدلاً عنهم. وفي المرحلة الممتدة من عام 1967 حتى 1973 حققت سلطات الاحتلال جزءاً كبيراً من أطماعها في الجولان أرضاً وموقعاً ومصادر مياه وبدأت إسرائيل تعد لضمه من خلال التعجيل بإقامة المستوطنات وسرقة الأراضي، وفي عام 1967 اعتمدت حكومة الاحتلال خطة مدتها عشر سنوات تضمنت إسكان 50 ألف إسرائيلي وإنشاء مدينة لثلاثين ألف شخص وإنشاء 21 مستوطنة برز فيها العامل العسكري في انتقاء المواقع والترابط بين المستعمرات. وشكلت حرب تشرين التحريرية مرحلة نوعية في تفعيل أهمية العمل المقاوم، وكان الجولان مسرحاً لعمليات عسكرية كبيرة شارك أبناء المنطقة فيها لتعزيز جهد وطنهم الأم سورية ودحر قوات الاحتلال فيها التي تحصنت بالمباني والمساكن المدنية واتخذت دروعاً غير عابئة بسلامة المدنيين، وتركت الحرب بصماتها الواضحة على الاستراتيجية الإسرائيلية في الجولان من جهة ومن جهة ثانية أحدثت الحرب تراكماً في الوعي الجماهيري والسياسي وأعادت الثقة لأبناء الجولان بأهمية العمل المقاوم كأسلوب وحيد للتعامل مع كيان لا يفهم غير لغة الدم والقتل والإرهاب وأذكت في النفوس الأمل بالتحرير والعودة إلى الوطن الأم. وإمعاناً في سياسات الحقد والعنصرية وتأكيد سيطرتها على الهضبة أقدمت حكومة الاحتلال في عام 1981 على إصدار قانون ضم الجولان والذي بموجبه اعتبر الكيان أن الجولان منطقة تابعة له يسري عليها قانون الدولة الإسرائيلية وقضاؤها وإدارتها، ولكن أهلنا في الجولان المحتل أدركوا خطورة السياسات الإسرائيلية الرامية إلى سلخهم عن انتمائهم الوطني والقومي وتجريدهم من جنسيتهم العربية السورية الموروثة من الآباء والأجداد. فسارع أهلنا في الجولان للتصدي بكل الوسائل المتاحة لهذه الإجراءات من خلال الاعتصامات والاضرابات ومقاومة جنود الاحتلال أينما وجدوا على أرض الجولان وأعلنوا رفضهم القاطع للجنسية الإسرائيلية مهما كلفهم من تضحيات، ومن أجل ذلك دعت الهيئات الوطنية إلى اجتماع عام تقرر فيه مقاومة المشروع الإسرائيلي وكل من يتعامل معه وقرر المواطنون بالإجماع الاعلان عن حرمان كل من تسول له نفسه استلام الهوية الإسرائيلية ومقاطعته اجتماعياً واقتصادياً وطرده من الجولان، وأصدر الأهالي الوثيقة الوطنية لمواطني الهضبة التي تضمنت قرارات تدعو إلى مقاومة محاولات تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان أرضاً وشعباً. وقد تحولت الوثيقة الوطنية إلى قانون مقدس ينظم ويسير العلاقات الداخلية لمواطني الجولان لصون الوحدة الوطنية أولاً وركيزة للعمل المقاوم ثانياً. وقد كان للقائد الخالد حافظ الأسد دور كبير في تعزيز نضال أهلنا في الجولان ودعمهم بكل الوسائل لمقاومة المشاريع الصهيونية، وبناءً على الطلب السوري رفض مجلس الأمن الدولي قرار الضم الإسرائيلي واعتبره باطلاً ولاغياً ولا يتمتع بأي مرجعية قانونية ودولية ومعتبراً الجولان أرضاً عربية سورية محتلة ووصل عدد المعتقلين منذ الاحتلال حتى اليوم إلى خمس السكان ولا يزال حتى الآن عدد منهم خلف قضبان الاحتلال وبالرغم من لجوء سلطات الاحتلال إلى ممارسات إجرامية بحق الأسرى عبر أساليب التعذيب المختلفة التي استعملتها بحقهم إلا أنها لم تنجح في كسر إرادتهم وصمودهم وانتمائهم الوطني.
|