في الخامس عشر من الشهر الماضي وفي زيارته إلى باريس لخص الرئيس الباكستاني آصف زرداري الوضع في بلاده بجملة واحدة «حرب عصابات واسعة تشمل كل أقاليم باكستان» ولهذا تحظى الحكومة الباكستانية بدعم العالم من أجل كسب «الحرب الطويلة الأمد».
لطالما بقيت باكستان دائماً في وضعية انفجارية، ستة عقود من وجودها تشهد على هذا الأمر، ثلاثة انقلابات عسكرية ومحاولتان ديمقراطيتان تم اجهاضهما واستيلاء الجيش على السلطة، أربعة حروب مع عدوها التقليدي (الهند).
بات هذا البلد يشكل مركز الاهتمام الأول في الأسابيع الأخيرة، بسبب الخوف المزعوم من وقوع السلاح النووي في أيدي الجماعات الإسلامية التي تعد في نظر الغربيين أشد خطراً يتهدد استقرار دولة باكستان..
هنا يتبادر سؤال إلى الذهن وهو كيف وصلت باكستان إلى هذا الوضع، وباتت بين عشية وضحاها أكبر مصدر خطر على الاستقرار العالمي؟
وفي الإجابة على هذا السؤال لابد من العودة إلى الوراء قليلاً إلى الحقبة السوفياتية والتدخل في أفغانستان سنة 1979 والذي كان يعتبر بداية العد العكسي في تلك المنطقة.
وهنا يبدو لزاماً طرح سؤال جوهري: كيف ولماذا وصلت باكستان إلى هذه الحالة؟
على الرغم من أن طالبان أفغانستان طردت من السلطة من قبل قوات التحالف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في 7/ تشرين الثاني من عام 2001 إلا أن شبكاتها أعادت بناء نفسها في ملاذاتها الأصلية، وهي المناطق القبلية الباكستانية التي أنشئت عام 1893 من قبل الاستعمار البريطاني لتكون منطقة عازلة مابين الهند البريطانية وأفغانستان العصية، ولكن أفغانستان لم تعترف يوماً بهذا الترسيم البريطاني.
هذه القبائل تشكل سبع إدارات: باجور، خيبر، كورام، مهمند، شمال وزير ستان، جنوب وزير ستان، أوراكزاي.
تحتل مدينة كراتشي دوراً رئيسياً في نمو وتوالد طالبان وبقية الحركات الإسلامية السياسية.
لقد حاول الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف أن يظهر نفسه كمساهم في محاربة كل التنظيمات المقربة من تنظيم «القاعدة« والتي توصف بالإرهابية وقام بتشكيل خلية لمحاربة الإرهاب في قلب وكالة الاستخبارات الباكستانية، كما قام بخلق قسم لإدارة الأزمات الوطنية في قلب وزارة الداخلية.
وكل ذلك ضمن خطة للتعاون وبتشكيل وثيق مع وكالة الاستخبارات الأمريكية ومع البوليس الفيدرالي الأمريكي.
ورغم كل هذه الإجراءات التي قام بها الجنرال مشرف، إلا أن الجيش الباكستاني لم يتمكن من التدخل في المناطق القبلية واقتصرت حربه على «الإرهاب« في اختراق المحاربين على طول الحدود الأفغانية الباكستانية.
إلا أن هذه الاختراقات لم تؤد إلى نتائج تذكر، لأنه و بعد مرور سنة على تفجيرات 11/ أيلول تبين أن معظم قادة المنظمات الإسلامية بدؤوا يعبرون الحدود الأفغانية باتجاه القبائل الباكستانية في الشمال، ولم يكن غزو العراق من قبل إدارة بوش في آذار عام 2003 إلا جزءاً من الحرب الصليبية التي قادها بوش ضد مايسمى «بالإرهاب«، إذ أصبحت باكستان أرضاً للجهاد الدولي حيث استقبلت أعداداً من المجندين الجدد والقدامى القادمين من الدول الإسلامية الأخرى.
لقد اشتد الغيظ الأمريكي مع تعاظم وتنامي هذه الخلايا في باكستان والتي أخذت تدعو إلى التخلص من الجنرال مشرف، الذي باع دماء المسلمين في أفغانستان حسب رأيهم.
ومنذ تشرين الأول 2003 ومنطقة القبائل تعج بالجنود الباكستانيين وطائرات الهيلوكبتر القتالية والجواسيس الأمريكيين، وأصبح أسامة بن لادن والقاعدة الهدف الأول للعمليات العسكرية التي قامت بها القوات الباكستانية والأمريكيون معاً في المناطق القبلية.
وفي عام 2004 كان القبض على بن لادن من أولويات الإدارة الأمريكية السابقة، إلا أن كل هذه الحشود والعمليات باءت بالفشل ولم تحقق أي نتائج على الصعيد الميداني سوى المزيد من الدمار والتدمير بعد اقتحام المسجد الأحمر، المدرسة القرآنية والتي اقتحمها الجيش الباكستاني في العاشر من شهر تموز 2007 والذي يعتبر في نظر المراقبين من بين أهم الأخطاء التي ارتكبها الجنرال برويز مشرف، إذ تحول الأمر إلى عدوى والطلبة الذين قتلوا في الاقتحام أصبحوا شهداء عند الحركات الجهادية، الأمر الذي يستدعي الانتقام لهؤلاء الشهداء.