وإذا انطلقنا من هذه الفرضية في خطوات إيضاح أعماله المعروضة في غاليري رفيا للفنون في الفورسيزنز، فإننا نجد بعض الانحياز إلى الايقاعات التشكيلية الحديثة القادمة من إعادة صياغة حركة الحروف العربية في سياق تشكيل العناصر الإنسانية المرصوفة أو المتراكمة أو المتداخلة أو المتلاصقة بالاعتماد على إيحاءات المد الانسيابي للحبر الأسود على خلفية ألوان الاكريليك مع قليل من لمسات الزيت أحياناً.
واللوحة التي يقدمها كيفورك في هذا المعرض تطرح أمامنا قيماً تشكيلية قادمة من تأملات معطيات الحضارتين العربية والأرمينية ولهذا سنجد في حركات الحروف وإيقاعات الزخارف والمنمنمات الأرمينية المتداخلة مع العناصر الإنسانية والحيوانية والمعمارية والمشهد الطبيعي، حالات من التفاعل والاندماج مع إيقاعات النغم الموسيقي على أساس أنه يرسم لوحاته على إيقاعات الموسيقا في حالاتها المتدرجة صعوداً وهبوطاً والتي تترك أثرها الواضح على حركة الخطوط والألوان، وهذا يساهم في تفعيل التعبير الحداثوي ويبعده مسافات عن المعنى الاستقرائي المباشر.
هكذا تتجلى حركة الحروف العربية والعناصر التراثية الأرمينية والأشكال الإنسانية والطبيعية في منطلقاتها الصوتية الموسيقية، حيث يتحد النغم بالحركة ويبدو الهاجس الرئيسي في العودة بالتشكيلات التعبيرية الحديثة إلى استلهام معطيات الحضارات القديمة التي وجدها في حكايات الأزمنة المنسية التي خطها الإنسان البدائي الأول واعتبرت مواقعها بمثابة متاحف سحرية يعود عمرها لآلاف السنين.
وثمة علاقة متبادلة بين الايقاعات الاختزالية القادمة من تجريد عناصر المنظر الطبيعي في خلفية اللوحة وبين العناصر الإنسانية المتداخلة بكثافة لافتة في مقدمة اللوحة والمتجهة نحو الاختصار والاختزال والتجريد أحياناً.
ويعتمد كيفورك في خطوات الرسم على إيقاعات النغم الموسيقي وعلى اتجاهين بارزين عفوي وعقلاني، فالأول يؤكد الأثر النفسي للون والحركة والإيقاع التشكيلي الخاص، أما الاتجاه العقلاني فيظهر من خلال الالتزام بإيقاع زمني وهذا يعطي المشاهد لمحة عن كيفية تدرج الوعي في اللوحة الفنية الواقعة بين العقلنة والانفعال.
وظهرت بعض مؤشرات هواجسه التشكيلية الموسيقية في اطلالته المشتركة مع عازف الكلارنيت كنان العظمة ولقد ترسخت وتجذرت وتنوعت أكثر فأكثر هواجس الرسم على أنغام الموسيقا بعد مشاركاته مع فرق أوركسترالية وموسيقيين بارزين من أمثال: بروكلين رايدر وإيف بلغارياف وكن يونو وكيم كشكشيان ودينوك ويجيرانتي وغيرهم.
ولمناسبة المعرض سجل الفنان التشكيلي الكبير غياث الأخرس كلمة جاء فيها: أعمال كيفورك غنية بالخيال المتراكم من خلال الذاكرة والماضي والجغرافيا والسفر، وكل ذلك يحمل من الموسيقا ما يجعلك تذهب وتسافر معه بعيداً.