تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


يا لهذه اللغة الدهشة..!

منوعات
الأحد 20 -12-2015
بقلم الدكتور هزوان الوز

للرافعي قوله: «ماذلّت لغة شعبٍ، إلا ذلَّ، ولا انحطت، إلا وكان أمره في ذهاب وإدبار».

لم تذلّ يوماً... لم تحنِ جبهتها لمحموم بنفيها يوماً... تلك هي العربيّة، اللغة التي شاءت أن تؤبّد حياتها في الحياة،‏‏

وأن تحتفظ بشبابها مهما يكن من أمر الزمن وتقلباته، وأن يصير سواها من اللغات إلى عصف، فيكون بعد العصف موت، ثم يكون بعد الموت الفناء، سواها... سوى هذه اللغة التي لما تزل عصية على الفناء، ومؤبدة في التاريخ، وفتية رغم أعاصير التغريب التي حاولت أن تنال من وجهها الصبوح، وأن تحفر أخاديد في ملامحها الوضيئة أبداً.‏‏

يا لهذه اللغة الدهشة! الآسرة. ينبوع المعنى، ورونق المبنى، وأميرة الصياغة، والفتّانة ببهائها، وبزخرف درّها، وسبك جواهرها... يا لهذه اللغة التي بعض إشراقها فوح عطر، وبعض عطرها فوح.‏‏

لغة ملأتها السماء بغير حُسنٍ وحسَن فكان الجمال، وكانت سره، بل أسراره.‏‏

اللغة التي كان لسورية فضل الائتمان عليها، وكان للسوريين فضل التمكين لوجودها، وديمومتها في كل شأن، ثم في مواكبتها لتحولات العصر وتقلباته من دون أن يمسها أذىً في أيّ من خلاياها الحية والمتجددة والأمينة لجذرها وما تقعّد من نحوها وصرفها.‏‏

لقد مضى على القرار الجمهوري الخاص بتشكيل لجنةٍ عليا للتمكين للغة العربية نحو تسع سنوات،القرار الذي لم يكن تقديراً واكباراً لهذه اللغة فحسب، بل صوناً لها أيضاً مما حاول من أعدائها حفر الأثلام والأخاديد في صفحة خدها، والذي كان شكلاً من أشكال التعبير عن الوفاء للهوية التي اتسمت بها سورية طوال تاريخها، أي الهوية العربية التي كانت اللغة صورتها الأبقى، ولعلها الأنقى أيضاً، كما كانت قوة شديدة البهاء في مواجهة تلك المحاولات الطائشة التي استهدفت هذه الهوية، والتي تحطمت على صخرة هذه اللغة، فتأبدت بفضلها، وازدادت نضارةً بعنادها.‏‏

إنّ التمكين للغة العربية مسؤولية وطنيةٌ كما هي مسؤولية قومية، ونحنُ، في وزارة التربية، نفخرُ بأننا كنّا، وسنبقى، في مقدّمة حُماة هذه اللغة، والمدافعينَ عنها، وحملةِ رسالتها في مختلف أشكال أدائنا التعليميّ والتربويّ، ولطالما كنّا، وسنبقى أيضاً، في خطّ الدفاع الأوّل عنها.‏‏

وممّا نباهي به في هذا المجال، بل ممّا يؤكّد إيماننا بضرورة هذا الدفاع، ما أنجزنا فيما يخصّ تطوير المناهج التربوية وتغييرها، ولا سيما مناهج اللغة العربية التي ستمثّل تعبيراً باهراً عن الدور الذي ارتضيناه لأنفسنا في الوزارة من أجل هذه اللغة وتعبيراً باذخاً عن إيماننا بأنّ التربية هي ذلك الخطّ الذي أشرنا إليه آنفاً، أعني خط الدفاع الأوّل عنها، ليس من أجلها وكما يليق بها فحسبُ، بل أيضاً من أجل تعزيز الهويّة المميزة لهذه الأمة التي ننتمي إليها، والتي تمثّل اللغة أحد أهم حواملها، وأحد أبهى أشكال التعبير عنها.‏‏

للغة العربية أن تفاخر بأن سورية حصنها الأوّل، ولسورية أن تفاخر بأنها القلعة التي تسّاقط على أسوارها كلّ المحاولات المحمومة لنفي هذه اللغة ... هذه اللغة التي حفظتها وتحفظها سورية كما حفظها ويحفظها الذكر الحكيم طوال التاريخ، وأبد التاريخ.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية