لتنطلق هذه المسيرة بما حملت من أفكار ورؤى وبما واجهت من تحديات وصعاب خلال خمسة عشر عاماً، وتتطلع الحكومة لأن يكون أداء الإدارة والوظيفة العامة في المؤسسات الحكومية مجسداً للتنمية المستدامة وأهدافها الاستراتيجية بكفاءة عالية.
وبين الدكتور الحلقي أمس خلال إطلاق برنامج الجدارة في القيادة الإدارية بمبنى وزارة التنمية الإدارية أن التحدي الأهم أمام وزارة الدولة للتنمية الإدارية منذ أن أحدثت في عام 2000 ثقافة التغيير التي هي أحد المشكلات التي تعاني منها القطاعات وخاصة التي تحمل آفاق التطوير والتحديث.. وأن الحكومة لم تيأس ولم تقف عند حدود العطاء والاستمرار في تنمية هذا المشروع ليجد آفاقه الرحبة إلى التنفيذ.. وكانت الإرادة السياسية في إحداث وزارة التنمية الإدارية في عام 2014، والتي حددت أهدافها من خلال المرسوم التشريعي المتمثل في تنظيم وتطوير أداء الإدارة والوظيفة العامة، وبالتالي تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين بما يكفل الرضا، ومكافحة الفساد الإداري من خلال مجموعة من الأفكار سواء كانت في إطار تطوير حزمة كبيرة من التشريعات والقوانين والقرارات النافذة إضافة إلى تأهيل الكوادر البشرية.
وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى أنه تسود العالم حالياً تحولات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية تفرض تحولاً مماثلاً في إدارة المؤسسات والأنماط التي تقوم على قيادة حركة هذه المؤسسات وتوجهاتها، وهذه التحولات تستوجب وجود قائد إداري للمؤسسة ليحل محل مصطلح المدير التقليدي، أي تحويل الإدارة النمطية إلى قيادة ذات جدارات متميزة تتعامل مع هذه المؤسسات على أنها أنظمة حيوية تتفاعل فيما بينها على مستويات أكثر تعقيداً من مجرد بعض العلاقات الوظيفية بين العاملين، وبالتالي فإن مشروع الجدارة القيادية هو نتاج المعارف والمهارات والقيم المهنية، وتحقيق التميز في الأداء وتمكين المورد البشري من تحقيق أهداف مؤسسته، موضحاً أن برامج الجدارة القيادية تشكل منصة وطنية رائدة للتميز في مجال صقل مهارات القيادات الإدارية وبناء المعارف بما يسهم في تحقيق الأهداف التنموية للدولة السورية.
وأشار د. الحلقي إلى أن مفهوم التنمية الإدارية هو عملية إدارية وإرادية لإجراء تغيير في الأطر القيادية من خلال الإجراءات التي تقوم بها الحكومة وما قامت به الحكومات السابقة، واختيار القائد الإداري في المكان المناسب، وعملت الحكومة لوضع معايير خاصة لانتقاء هؤلاء القادة الإداريين، مبيناً أن الأطر القيادية بحاجة إلى تدريب وتأهيل مستمرين من أجل الوصول بالأطر القيادية إلى ما تصبو إليه الحكومة وما يصبو إليه قائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد، للارتقاء بمستوى التأهيل والتدريب والكفاءة التي يحملها القائد الإداري.
وأوضح د. الحلقي أن التنمية الإدارية تؤدي إلى تغيير ما تعوّد عليه كثير من موظفي الدولة من سلوكيات وإجراءات منها عدم تحمل المسؤوليات وعدم الفاعلية في مستوى الأداء وتغليب المصلحة الشخصية على العامة وعدم الالتزام بالدقة والمواعيد والفساد الإداري من رشوة ووساطات وهدر المال العام وارتجال القرارات.
مؤكداً على أن خطة التنمية الإدارية تركز على إعداد القيادات الإدارية وتأهيلها من خلال تطوير نظم ومعايير اختيار وإعداد وتأهيل القيادات الإدارية العليا، وتكوين النسق الثاني والتالي، وتحديث نظم الترقية لها، وتحديث نظم التقييم والمساءلة عن الأداء والإنجاز، إضافةً إلى إعداد الموارد البشرية وتنميتها، ودراسة الهيكل التنظيمي العام للجهاز الإداري في الدولة، وإعادة تصميمه بما يناسب الأوضاع الاقتصادية السائدة وبما يساند تطلعات الدولة نحو النهضة الشاملة، وتعميق استخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات، وتطوير القوانين والتشريعات.
كما بين رئيس الحكومة أن الإدارة العامة في سورية بوضعها الحالي لا تلبي متطلبات المرحلة القادمة من حيث معدلات النمو والتنمية المستدامة والانفتاح على العالم، وذلك بسبب المركزية الزائدة وتعقيد الإجراءات، وضعف الشفافية والمساءلة، والترهل الإداري وضعف الأداء، وضعف الانتماء واللامبالاة، وضعف إدارة الموارد المتاحة وضعف العمل المؤسساتي ونقص تأهيل وتدريب الكوادر.
وأكد د. الحلقي أن رؤية الحكومة وتوجهاتها الأساسية لإنجاح الإصلاح الإداري في سورية هو في توفر الإرادة السياسية الداعمة وعدم التراجع عن عملية الإصلاح الإداري والذي يرتبط بالإصلاح السياسي من خلال العلاقة بين القيادة السياسية والحكومة ودور الحكومة في وضع السياسات العامة، إضافةً إلى الإصلاح الاقتصادي والقضائي، مبيناً أن المحاور الأساسية للإصلاح الإداري تتضمن رسم السياسات وصنع القرار وإنجاز الهياكل التنظيمية، والإنفاق العام، إضافة لاستمرارية إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية، والوظيفة العامة والموارد البشرية، والرقابة والتفتيش ومكافحة الفساد.
وتطرق رئيس مجلس الوزراء إلى مواطن الخلل في الجهاز الوظيفي من خلال التضخم الوظيفي وعدم المطابقة مع الهياكل التنظيمية الموضوعية، وعدم وضوح المعايير التي يتم على أساسها التعيين في بعض الوظائف العليا، وعدم وجود آلية واضحة لتوزيع الموظفين وغياب نظام المراتب الوظيفية ومعايير النقل والندب مما أضر بعلاقة الموظف مع الجهة العامة وانتمائه لها، إضافة إلى التسيب الوظيفي وغياب ثقافة الالتزام بالعمل ومفهوم المصلحة العامة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بما يتلاءم مع تخصصه وخبرته وفقدان القدوة الحسنة.
من جانبه الدكتور حسان النوري وزير التنمية الإدارية أكد أن الغاية من مشروع برامج الجدارة في القيادة الإدارية هي العمل على تعزيز وتمكين قدرات القائد الإداري القادر على قيادة وإدارة مؤسسته بأسلوب متطور من أجل إحداث نقلة نوعية في أدائها، بما يتماشى مع تحديات المرحلة الراهنة وآليات النهوض والبناء، وأن يواكب كل ما هو جديد على المستويين المحلي والعالمي في مجال القيادة الإدارية.
وبين د. النوري أن المشروع يعمل على تمكين قدرات القيادات الإدارية الشاغلة للوظائف العليا بمستوياتها كافة (معاون وزير - مدير عام - مدير مركزي - ومن في حكمهم ) الجدد منهم أو القدامى على رأس عملهم حيث توفر لهم إمكانية شحذ وتجديد المعارف والخبرات القيادية، بالتوازي مع عملهم من خلال خضوعهم لبرامج الجدارة القيادية التي لا تعتمد المنهاج النظري التلقيني أو الأكاديمي، وإنما تنظيم المكون المعرفي وتجديده معتمداً أحدث العلوم والخبرات المعرفية على يد أهم وأقدر الخبرات والقيادات الإدارية الوطنية المتميزة، إضافةً لتطوير كفاءة الجهاز الإداري لمؤسسات الدولة من خلال رفع كفاءة العنصر البشري وتأهيله قيادياً من خلال تنمية مهاراتهم وزيادة خبراتهم.
وأوضح وزير التنمية الإدارية إلى أنه سيتم تنفيذ البرنامج بطرق متعددة، تشمل «العصف الذهني - حلقات الجودة - الحالات العملية من الوزارات المعنية - الحوار والنقاش - التطبيقات العملية»، وتتضمن محاور البرنامج تعزيز القدرات القيادية والإدارة العامة وتفعيل الأداء في المؤسسات الوطنية، ودور المعلوماتية في تفعيل الأداء المؤسساتي، ويتألف البرنامج من 84 ساعة عمل.
حضر إطلاق المشروع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الإدارة المحلية، ووزراء التعليم العالي، والزراعة، والكهرباء، والأشغال العامة، والصناعة، وسماحة مفتي الجمهورية العربية السورية، وأمين عام رئاسة مجلس الوزراء ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وعدد من معاوني الوزراء، ونقيب الأطباء ونقيب المهندسين ونقيب المعلمين ونقيب المحامين، وعدد من خبراء الإدارة.