وعملياتها - حتى في الأماكن التي تحضر فيها بآلتها العسكرية بالأصالة عن نفسها في العالم- تنتقل من سيئ إلى أسوأ. ففي28 أيلول احتلت طالبان مدينة قندوز في أفغانستان، وإلحاق هزيمة مدوية بالمدافعين عن المدينة، وهي ميليشيات «تسمى معتدلة» تابعة للقوات الأميركية. وفي أيلول سلم 26 ممن تسميهم واشنطن معارضة معتدلة بعد أن دربتهم وحدات أميركية أسلمتهم إلى جماعة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. وثمة تقارير بأن كل الإرهابيين الذين تدعمهم أميركا في الرمادي في العراق قد فشلوا وجميعهم الآن في صفوف داعش.
كل جهود الولايات المتحدة لتشكيل من تسميهم متمردين معتدلين محكوم عليها بالفشل في العالم، ليس لأن الأمر خارج عن إرادتها فحسب، بل لأن أي ميليشيا ستحارب عنها بالوكالة يجب أن تكون إرهابية لإنجاح خططها ولذلك هي الآن في حالة تصالح تام مع القاعدة بل تقوم بتبييض وجه هذا التنظيم الذي يرتكب جرائمه في سورية تحت اسم النصرة التي يصفونها بأنها «معتدلة » وهو نفس الإرهاب الذي ادعت الولايات المتحدة أنها تريد تصفيته عندما غزت أفغانستان والعراق، ودمرت وقتلت الملايين من البشر من شعبيهما وشعوب بلدان أخرى كثيرة.
لقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لتدريب وتجهيز وتقديم الاستشارات لعناصر القاعدة والمرتزقة في العراق وأفغانستان وسورية، ولكن الذين شعروا منهم بأن واشنطن تستغل أرواحهم وحياتهم لقتل السوريين والعراقيين شقوا عصا الطاعة في أول فرصة سنحت وخاصة بعد بدء العمليات الجوية الروسية الكبرى ضد الإرهابيين بدءاً من سورية وفر قسم لا بأس به منهم من أرض المعركة، ومئتان وثلاثمائة إرهابي تونسي عادوا إلى ليبيا، وآلاف الإرهابيين الأجانب يهربون باتجاه بلدانهم وبلدان أخرى، مع الالتفات إلى عدد السوريين الكبير الذين عادوا إلى حضن الدولة والذين نسبتهم إلى الكتلة الإرهابية الأجنبية ضئيلة جداً؟
وضعت روسيا ثلاثة أو أربعة أشهر للقضاء على الإرهاب في سورية، على حين أن الحلفاء بقيادة واشنطن، زعموا أن الوقت اللازم، لوضع حد لداعش عشر سنوات، وثلاثين سنة للقضاء على بقية المجموعات الإرهابية، في سعي، في الواقع، لتدمير البلدان المستهدفة، من خلال الإرهاب.
حلف الهيمنة الاستعمارية يحصر المشكلة في سورية بتغيير الدولة السورية، ولكن كل الدول العربية التي تم فيها قلب نظام الحكم، لم يتم فيها التخلص من الفوضى والإرهاب، وهذا دليل دامغ على أن حلف الاستعمار يريد تفشي الفتن في العالم العربي عبر الجماعات الإرهابية التي اخترعها ثم زعمت خلال كلام فارغ أن بعضها معتدل، في سياقات أشكال جديدة من سياساتها العدوانية، وكل ذلك لغسل أيديهم ووجوههم كمجرمي حرب سواء كانوا أميركيين أم أوروبيين أم عرباً أم إسرائيليين أم عثمانيين: فمن المسؤول عن عشرات الملايين من المدنيين الذين سقطوا ويسقطون دائما، في فلسطين، العراق، سورية، اليمن، وليبيا وأماكن أخرى؟ والآن بعد عمليات الجيش العربي السوري الواسعة ضد الإرهابيين بغطاء جوي سوري روسي بدأت أمهات داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، تصيح وتتلوى وتعلي الأنين والنشيج، من واشنطن إلى لندن ومن مملكة الحقد إلى سلطنة العثمنة، وكل أعداء سورية آلمتهم الضربات الروسية التي دمرت الرواية الأميركية عن وجود جماعات إرهابية «معتدلة» ليظهر أن زعم مكافحة داعش من أميركا كذبة. حلف الهيمنة يفكر اليوم كيف يحمي الجماعات الإرهابية في سورية وحمايتها غداً في العراق، والإسراع إلى وسائل الاتهامات وتحريك كل وسائل الدعاية الصفراء ضد روسيا والقول إن الوضع يتطور إلى مواجهة مسلحة بين الروس والأميركيين وإذا كان الأمر كذلك، بعد الحديث والمقارنة مع وضع الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان إلا أنه هناك حقائق ملموسة توفر بعض عناصر الجواب عن السؤال وهي أنه هل حلف الهيمنة كان قادرا على وقف عزم روسيا لاستعادة شبه جزيرة القرم؟ وماذا فعلت واشنطن لتنفيذ تهديداتها لضرب سورية في آب عام 2014؟
الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة سيبدأ سباقه مع الزمن، وستدخل الإدارة الأميركية في مرحلة السبات وأياً كان المرشح الذي سيختاره الناخب الأميركي، سواء من الحزب الديمقراطي أم من الجمهوري، فكلا الحزبين مع الكونغرس مهما كان لونه، تورطوا في العراق وأفغانستان ودول أخرى وكان مصيرهم الفشل، لأن شعوب الدول المستهدفة تسعى لضمان مصالح بلادها وأن العراقيين والسوريين لا تنقصهم الشجاعة التي أفشلت وتفشل منذ بداية القرن الحادي والعشرين الخطط الأميركية وكبدتها أموالاً دفعتها للإرهابيين دون جدوى، وكان من الأولى أن تذهب هذه الأموال الأميركية إلى دعم القطاعات الاجتماعية والصحية الأميركية وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى.