وكانت بريطانيا انضمت في وقت سابق من العام الماضي إلى الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية بذريعة محاربة داعش في سورية وأعلن كاميرون ووزير دفاعه مايكل فالكون عن مشاركة طيارين بريطانيين كجزء لا يتجزأ مع الولايات المتحدة والقوات الفرنسية والكندية في عمليات قصف مواقع لداعش في سورية في تحد للأصوات البرلمانية بين عامي 2013-2014، وفي آذار أعلن وزير دفاعه عن إرسال بلاده 75 مدرباً وضابطاً لمساعدة ما يسمى بالمعارضة المعتدلة في سورية، القرار الذي اتخذ دون موافقة الحكومة السورية، ويشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وبمثابة إعلان حرب، وجاء ذلك عقب إعلان كاميرون إرسال «مستشارين»عسكريين و»مساعدات غير فتاكة» إلى أوكرانيا، وفي آب تم الكشف عن إرسال بريطانيا مئات الجنود إلى ليبيا كجزء من مهمة على نطاق أوروبا يهدف إلى»استقرار البلدان التي مزقتها الحروب ووقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه أعلن فالكون عن تمديد الحملة الجوية في العراق ضد داعش لمدة عام، مضيفاً أنها ستقدم طائرات مقاتلة نوع تورنادو-8 والتي كان من المقرر أن تخرج أصلاً من الخدمة في آذار الماضي، لإجراء الضربات على الأقل حتى 2017 ، بالإضافة إلى أن لدى بريطانيا 150من «المستشارين العسكريين»لتدريب قوات البيشمركة في حكومة إقليم كردستان لمحاربة داعش،
إن هدف بريطانيا هو دعم الأنظمة الموالية للغرب والتي لا تحظى بشعبية و»استقرار» كجزء من جهد أوسع للحد من الهجرة إلى أوروبا وقال كاميرون أنه من المهم «زيادة» المساهمات البريطانية مضيفاً «النتائج في الصومال جيدة وهذا أمر جيد لبريطانيا، ما يعني إرهاب أقل، هجرة أقل، وقرصنة أقل، كما سبق في جنوب السودان» كاميرون تجاهل عمداً أن القرصنة قبالة سواحل الصومال هدأت وأن جنوب السودان لا يقع على الساحل ولا علاقة له بالقرصنة.
ومن المتوقع أن ينضم 70 من القوات البريطانية إلى بعثة الأمم المتحدة والقرن الأفريقي وقوامها 22000 في الصومال لدعم الحكومة الانتقالية للرئيس حسن شيخ محمد الذي يحظى بتأييد كبير داخل البلاد، وتواجه القوات الحكومية هجمات متفرقة من جماعة حركة الشباب المتشددة في العاصمة مقديشو التي شهدت مؤخراً انفجار سيارة مفخخة أمام القصر الرئاسي ونجم عن ذلك مقتل أربعة أشخاص وقبل أسابيع سيطرت حركة الشباب لفترة قصيرة على قاعدة تابعة للاتحاد الأفريقي تحرسها القوات الأوغندية وأدى ذلك إلى مقتل عشرات الجنود، وفي أعقاب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تموز من العام الحالي إلى مقديشو فتحت واشنطن سفارة جديدة لها في الصومال، لكن في العاصمة الكينية نيروبي.
لقد تفككت الصومال في أعقاب المكائد السياسية لمختلف القوى الامبريالية خلال عهد الاستعمار وعصور الحرب الباردة، وكنتيجة أيضاً لتدخلات الصندوق الدولي في الثمانينيات، التي دمرت اقتصاد الصومال الرعوية وأدت على الحروب الأهلية والمجاعة التي عصفت بالبلاد منذ ذلك الحين وقد أيدت الدول المجاورة الجماعات المتنافسة داخل الصومال وتقاتل بحروب بالوكالة.
ثلاثة ملايين صومالي من أصل 10 ملايين بحاجة للمساعدة»الإنسانية» بما في ذلك 731 ألف الذين يواجهون احتياجات ضرورية جداّ، وأكثر من 1،1 مليون إنسان مشردين داخلياً بلا مأوى والعديد منهم يواجهون سوء التغذية الحاد وتفاقم الوضع بسبب تدفق عشرات آلاف اللاجئين من اليمن، هرباً من القتال هناك، بريطانيا بصدد إرسال 300 جندي للانضمام إلى قوة الاتحاد الأفريقي في جنوب السودان، حيث تخوض الفصائل المتناحرة من النخبة الحاكمة حروباً أهلية مريرة من أجل السيطرة على عائدات النفط،منذ كانون الأول من عام 2013 وبعد سنوات قليلة من احتفال جنوب السودان بالانفصال عن السودان في تموز من عام 2011 بعد حرب لعقود طويلة ضد جارتها الشمالية.
لقد دعمت القوات الامبريالية تفتيت السودان من أجل الحد من تزايد النفوذ الصيني في المنطقة ومنذ ذلك الحين شهد جنوب السودان قتالاً عنيفاً حيث قتل أكثر من عشرة آلاف شخص،وصار 1،5 مليون بلا مأوى داخل البلاد وأجبرت ما يزيد عن 500 ألف إلى التماس الأمان في الدول المجاورة، ما يقرب من 5 ملايين شخص من أصل المجموع الكلي لعدد السكان والبالغ 9 ملايين هناك ما يقرب من 200 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ونحو 7 ملايين يعانون خطر عدم وجود طعام كافي في الأشهر القادمة يضاف إلى ذلك تفشي الأمراض كالكوليرا.
الوضع البائس في الصومال وجنوب السودان هو جزء من التفتيت المتواصل لتفكك دول القرن الأفريقي ، الذي يضم إثيوبيا، السودان وجنوب السودان والصومال وجيبوتي.
الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يتشاركون صراعاً شرساً لمنع الصين من السيطرة على الموارد النفطية في منطقة القرن الأفريقي الذي يعد ساحة للتنافس الشديد للقوة العظمى للسيطرة على احتياطيات النفط في الدول المجاورة والطريق البحري من خلال مضيق باب المندب، الذي يمر به معظم النفط الأوروبي، وكانت الصين وقعت مؤخراً اتفاقاً عسكرياً بقيمة 185 مليون دولار، ما يتيح وصول بكين إلى ميناء جيبوتي بجوار القاعدة الأميركية في معسكر ليمونير، وهو مركز تجمع رئيس للاستخبارات الأميركية ، وفي خطوة انتقدتها واشنطن بشدة ، في كانون الثاني، انضمت الصين إلى بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جوبا، جنوب السودان، كجزء لحماية استثماراتها من إنتاج النفط في البلاد والذي تم خفضه إلى الثلث نتيجة الحرب الأهلية ، على الرغم من أن دخلها السنوي يقدر ب200 مليار دولار ناتج تجارتها مع أفريقيا ككل.
هذا هو السياق الأوسع للحرب التي دفعت الآلاف للمخاطرة بحياتهم برحلات محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، إن تحرك بريطانيا عبر إرسالها قوات إلى القرن الأفريقي يهدف إلى توسيع الدور العدواني في أفريقيا، جنباً إلى جنب مع جهد فرنسا للسيطرة على شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، ويستند الوجود العسكري الرئيسي لبريطانيا حالياً على مركزين في كينيا ومركز التدريب في سيراليون ومركزاً استشارياً «لإدارة الدفاع» في جنوب أفريقيا.
نكتشف من هذا كله أن كاميرون يستخدم أزمة اللاجئين كغطاء للمشاركة مباشرة للقوات المسلحة للتدافع الجديد لأفريقيا للسيطرة على مواردها المعدنية والطاقة الغنية، وبينما تتفاخر بريطانيا بتاريخها الطويل في توفير الأمن والاستقرار في أكثر البيئات صعوبة في العالم فإن لبريطانيا تاريخ طويل من القمع الاستعماري في أفريقيا، ناهيك عن سجلها في الانخراط بالصراع العسكري في كل عام ولأكثر من 100 عام ، وهذا ما لم تفعله أي دولة أخرى في القتال الطويل الأمد.