ومنذ ذلك التاريخ تابعت عددا قليلا من المسلسلات اوالتمثيليات الدرامية على شاشة التلفزيون العربي السوري وكان ثمة منبه في داخلي يقول لي إن الكثير مما يعرض مؤثر وجميل ولعل آخر ما أثر في هو مسلسل التغريبة الفلسطينية الذي رأيت فيه طفولتي وصباي رأيت فيه قريتي وأعمامي وأخوالي والشعب العربي الفلسطيني الذي افتقد الظهير في برهة فاصلة من كفاحه الطويل
و كنت أعرف أن سورية التاريخية والراهنة هي من شكل الحاضنة والرافعة لشعبنا العظيم في كل مراحل كفاحه وصبره الطويل والمرير حتى اليوم.
ليس حديثي عن الدراما السورية سوى حديث أهدف منه إلى إثارة سؤال لم يحدث أن اثاره على ما أتصور أحد قبل اليوم ذلك لأنني أحسست بحاجة ماسة لإثارته نظرا لما هو عليه من الأهمية.
في تاريخ سورية عدد كبير من الشخصيات التاريخية الثقافية والكفاحية وهذا العدد الكبير ترك أثرا في مسارها وفي تكوين صمودها حيث لم تتوقف الهجمات عليها منذ أن كانت بتحالفات تجمع بين الغازي وبين مرتكزاته على أرضها وعندما أتحدث عن هذه الشخصيات أتحدث عن أسباب غيابها من المساحة الشاسعة للدراما السورية التي برهنت على حضور قوي سواء كان ذلك في تجلياتها الإيجابية أو السلبية أو البين بين فلماذا إذن غابت الشخصيات التاريخية عن هذا العمل الواسع والكبير والطويل والمجهد.. فأنا رأيت وأرى في غيابها شيئا أبعد عن الصدفة واقرب إلى سوق العرض والطلب وكثيرا ماكانت هذه الشخصيات يلمح إليها في توظيفات عابرة داخل عمل درامي طويل أو قصير لكنني افتقدت دائما وأفتقد عملا يؤرخ لسير هؤلاء الرجال الذين قاتلوا على جبهات القتال وفي الإطار الثقافي في مواجهة الاستعمار العثماني أولا والفرنسي ثانيا والاستعمار الذي اتخذ شكل ضغوط وحضارات مازالت سورية تعاني منها حتى الآن ولعلها الآن أكثر تصعيدا بسبب من الغزو الذي جمع على أرضها كافة أشكال وأنواع المرتزقة من أكثر من ثمانين دولة تغطيها بالمدفعية والإعلام والحرب النفسية والتضليل البين دول وأجهزة وقوى إقليمية ودولية وصولا إلى ما أسميه أنا النادي الأمريكي أعني الأمم المتحدة وأذرعها المتعددة التي كانت دائما في خدمة هذه التغطية.
اعود إلى الدراما والشخصيات فأقول:صحيح أننا شاهدنا مسلسلا دراميا حول نزار قباني وهو علم تعرفه سورية على أنه واحد من شعرائها الطليعيين الذين اقتحموا فجددوا في عمود الشعر كما أسهموا في حداثته وماعدا ذلك لم أشاهد غير قليل من الدراما المستندة إلى سير مبدعين تبدو غير موثقة وغير موفقة في الغالب وهنا لا أتحدث عن نجاح المسلسل أو إخفاقه وإنما أشير باعتباره واحدا من تجليات الدراما في تناولها لسيرة شاعر كبير
أتساءل أين مثلا هي السيرة الذاتية للشيخ الشاعر والمحارب والقائد الشجاع الشيخ صالح العلي في عمل درامي يقدم سيرته لتكون درسا ومثلا مؤثرا يقتدي به جيل جديد أو جيل سابق عليه.. أين سيرة سلطان باشا الأطرش.. حسن الخراط.. سعيد العاص.. يوسف العظمة.. ووالد الشاعر عمر أبو ريشة الذي كان أدميرالا في الجيش العثماني فكلف بإبادة قبيلة أرمنية في أرض سورية فأطلقها وغادر الجيش الذي لاينتمى إليه.. أين سيرة كل هؤلاء الذين أثروا في حياتنا من خلال ماقرأناه عنهم في كتب مكتملة أو ناقصة أين هي سير كل هؤلاء الذين علق مشانقهم المحتل العثماني في ساحة المرجة في الدراما السورية.
أهي صدفة أم هي تغييب بفعل عدم اهتمام وإحساس بعدم الأهمية أو أن كاتبا ما ليس قادرا على التصدي لسير هؤلاء في عمل درامي يترك تأثيرا من جيل إلى جيل.. أم أن العامل التجاري قد طغى فأنتج لنا مسلسلات قدمت فيها شرائح تحت يافطة الشام لا يمكن اعتبارها ممثلة للشخصية السورية إلا في جوانبها السلبية في الغالب خصوصا وأن بعض هذه الشخصيات قد اعتمد مخرجوها على الظواهر الاستعراضية في تجلياتها.
وعندما نتحدث عن الدراما وغياب هذه الشخصيات فيها يجب أن نشير إلى أن هذه الشخصيات غالبا ماكانت حاضرة في البرامج الثقافية والإعلامية ولكن هذا لم يكن كافيا لأن المساحة الأعرض من المتلقين تتلقى الدراما أكثر من تلقيها للبرامج ومن هنا كان التأكيد على ضرورة حضور سير الشخصيات التاريخية الكفاحية والثقافية في الدراما السورية لأنها بذلك تكتمل وتقدم جانبا من مهامها التي تستهدف تعزيز صمود المتلقي العام كما تستهدف زرع الدروس التي يفيد منها من الطفل وصولا إلى الشيخ
هل يمكن أن نشهد في هذه المرحلة من الصراع الذي تخوضه سورية دفاعا عن الوطن والشعب والأفق.. هل يمكن أن نشهد مولد جهد درامي يؤسس لأعمال تقدم المثال والقدوة للمتلقي العربي السوري والعربي بصورة عامة.. إنني أتصور أن في مساحة الدراما السورية من الكتاب والمخرجين والممثلين والفنيين مايضمن نجاحات كبرى إذا ماقررت هذه الطواقم أن تنتج سير هؤلاء الذين نفتقد حضورهم في الدراما السورية
ولا أريد هنا أن يتصور أحد أنني أحاول أن أعطي درسا أو أقدم موعظة ولكنني أحاول أن أثير سؤالا كما قلت كبيرا حول أسباب وعوامل هذا الغياب وأن أتلقى إجابة عملية على أن هذا الغياب قد انتهى وأن أعمالا جادة كثيرة وكبيرة سوف تقدم للمتلقي لتحسم هذا السؤال..
أيها السادة في تاريخنا وفي تاريخ أمتنا وفي تاريخ العالم شخصيات أثرت ومازالت تؤثر ولكنها عندما تقدم في الدراما ستكون أكثر فعالية وتأثيرا مما يتصور الكثيرون لكن هذا كله يحتاج إلى جهد وإلى دعم كبيرين وإلا فلن نستطيع أن نجيب على السؤال