(الثورة) التقت العديد من المواطنين في مدينة حمص أكدوا أنهم خلال الأشهر الماضية كانوا يشترون ربطة الخبز ولا يستطيعون استهلاكها فيكون مصير معظمها البيع كخبز يابس لتصبح فيما بعد مادة علفية للحيوانات.
هذا الكلام لا يحمل أي مبالغة ـ بحسب المواطنين ـ
لأنه بالإضافة إلى لون الخبز الأسمر هناك سوء بطريقة صناعته وتلاعب بكمية المازوت المخصصة للمخابز الآلية بحيث يتم إخراجه من الفرن قبل نضوجه، خاصة وأن الحكومة تبيعه للأفران بالسعر القديم ( 7,5 ل.س لليتر الواحد ) عدا عن النقص في وزن ربطة الخبز في أغلب الأحيان.
سألنا الجهات المعنية عن كل ما يتعلق بصناعة الخبز في محافظة حمص فاكتشفنا أن الموضوع شائك ويحمل أكثر من إشارة استفهام، وما حفزنا أكثر على طرحه هو ما جاء بالجلسة الثالثة لمجلس المحافظة في دورته الرابعة للعام الحالي بتاريخ ( 14 - 7 - 2015). مع أملنا بأن تضع وزارة التموين والتجارة الداخلية حدّاً لما يحدث بخصوص الخبز في حمص، لأنه من المفروض أن يكون رغيف الخبز خطاً أحمر أمام الفاسدين، ولأنه من غير المعقول أن تبقى حصة حمص من الدقيق عام 2011 هي نفسها عام 2015 مع الأخذ بعين الاعتبار الأحياء الفارغة من سكانها والأفران المتوقفة عن الإنتاج!
427 ألف ليتر مازوت للمخابز الآلية خلال شهر واحد
يبلغ عدد المخابز الآلية في محافظة حمص (11) مخبزاً توقف منها ثلاثة مخابز هي: القريتين - تدمر - الرستن، والأخرى موزعة كالتالي: مخبز الوعر- ابن الوليد - مخبز حمص - تلكلخ - القصير - المخرّم - ضاحية الوليد. وقد وجه المهندس جليل ابراهيم مدير فرع حمص للشركة العامة للمخابز كتاباً إلى محافظ حمص عن طريق المكتب التنفيذي برقم 2667 بتاريخ 3-11- 2015 يطلب فيه (الإيعاز لمن يلزم من أجل تزويد المخابز الآلية التابعة لفرع حمص للشركة العامة للمخابز بكميات المازوت عن شهر كانون الأول ضماناً لاستمرار العمل وتأمين مادة الخبز) وقد بلغت الكمية المقدرة وفق جدول مرفق مع الكتاب ( 427 ) ألف ليتر وهي كمية كبيرة جداً هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن الأفران لا تعمل طيلة فترة تشغيلها على المولدات لأن التيار الكهربائي لا يبقى مقطوعاً طيلة 24 ساعة، كما أن أي فرن معرّض لحصول عطل في آلاته فيتوقف لبعض الوقت، بالإضافة إلى أن استهلاك المازوت يتعلق بسرعة الإنتاجية لكل فرن، أي أن هناك كميات فائضة من الطحين.
وقد أثار هذا الموضوع حفيظة بعض المعنيين في المحافظة، فشكلت المحافظة لجنة فنية وعاينت سرعة إنتاجية الأفران وقامت بإجراء الكشف على أفران ( المخرم - تلكلخ - الوعر - الإنشاءات - ابن الوليد )، وتضمّن الكشف وزن ربطة الخبز وقياس السرعة الإنتاجية للأفران المذكورة واستطاعة مجموعات التوليد الموجودة فيها وحاجتها الفعلية لمادة المازوت، فتوصلت اللجنة إلى أن هناك ساعات تشغيل زائدة لمجموعات التوليد أكثر من الفترة اللازمة للعمل على اعتبار أن الأفران الآلية غير مغذاة بالكهرباء، حتى إن فرن الوعر وبحسب جدول معدّ من الشركة العامة للمخابز كان يعمل 26,5 ساعة في اليوم!! أي أكثر من عدد ساعات اليوم الطبيعية، وكأن لهذا الفرن تقويماً زمنياً خاصاً به..!! وخلصت اللجنة إلى أن العمل المتواصل للأفران على مدار 24 ساعة يؤثر على نوعية الرغيف وهذا غير مقبول لأن تلك الأفران لن تكون قادرة على استيعاب أي كميات إضافية تعطى لها بشكل مؤقت، ويجب - وفق اللجنة - تحديد ساعات العمل بـ 20 ساعة فقط عدا يوم الخميس، كما اكتشفت اللجنة أن الحالة الفنية سيئة لمعظم الأفران وتحتاج إلى صيانات، ووصل الوضع الفني لبعضها إلى وضع ألواح توتياء على خطوط التبريد منعاً لتساقط المطر عليها. وخلصت اللجنة إلى أن الرقابة التموينية على عمل المخابز الآلية معدومة فوزن ربطة الخبز ناقص في معظمها وهنا نتساءل مع اللجنة: أين تذهب كميات الطحين الفائضة عن النقص في وزن الربطات المنتجة ..؟؟
أما بشأن المازوت فشركة المحروقات في حمص تبيع المازوت للأفران بسعر (7,25) ليرة وهو محدد من الوزارة، لكنها لم تحدد هذا السعر لمجموعات التوليد وهذا كافٍ لوجود هدر كبير لدى الأفران الآلية، والدليل أن مجموعة توليد فرن الوعر عملت خلال تشرين الثاني من العام الماضي 26,5 ساعة يومياً!!
ومن المعلوم أن الأفران تعطى مادة المازوت للحراقات بالسعر المدعوم، وتحدد نسبة استهلاك الحراقات حسب نسبة الإنتاج وفي حال تنفيذ الخطة بنسبة 106,67% وما فوق فالحراقات تحتاج لكمية مازوت أعظمية هي 65,5 ليتر لكل طن طحين.
ومن المفترض أن تأخذ الأفران المازوت المدعوم المخصص لعملها بما يتناسب مع كمية الطحين التي تشرف عليها مديرية التجارة الداخلية، وعندما يحسب سعر المازوت اللازم لمجموعات التوليد بسعر 125 ل.س فإن ذلك سينعكس إيجاباً على عمل المخابز وستقل ساعات تشغيل المولدات فيها وتعيد النظر في استطاعة المولدات المحتاجة لها للتخفيف من الهدر.
وأخيراً عندما طلبت اللجنة من مديرية التجارة التصريح عن سرعة الأفران رغم تدخل عضو المكتب التنفيذي لقطاع التموين في المحافظة رفضت بحجة عدم وجود كتاب رسمي بهذا الخصوص.
تباين في معايرة اللجان
بناء على تقرير اللجنة الفنية الآنفة الذكر وجه محافظ حمص طلال البرازي الكتاب رقم 1071 بتاريخ 6 -4- 2015 إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك يطلب فيه معرفة مصير الكميات الفائضة من الطحين الناتجة عن فرق وزن ربطة الخبز بعد أن تمت معرفة حاجتها الفعلية من مادة المازوت وتحديد السرعة الإنتاجية لها اعتباراً من الشهر العاشر لعام 2014، كما تمّ تحويل نسخة من الكتاب إلى مديرية الرقابة الداخلية في المحافظة.
جاء ردّ مديرية التجارة إن الطاقة الفعلية للإنتاج في المخابز الآلية هي بحدود 600 كغ دقيق تمويني في الساعة الواحدة بموجب كتاب الشركة العامة للمخابز رقم 134 بتاريخ 20-1- 2008، وأنه وبناء على توجيهات الوزارة تم تشكيل لجنة من مديرية التجارة بتاريخ 12-8- 2014 لدراسة إنتاجية الخط الواحد في الساعة الواحدة في مخبزين آليين وهما ( حمص الآلي ـ الضاحية الآلي ) حيث بلغ إنتاج الخط الواحد في مخبز حمص 450 ربطة و434 ربطة في مخبز الضاحية على اعتبار أن وزن ربطة الخبز 1450 غ .
لكن هناك عدّة إشارات استفهام حول اختيار لجنة مديرية التجارة لهذين الفرنين.. ومنها أن مخبز حمص الآلي هو الوحيد الذي لم يكن لديه نقص في وزن ربطة الخبز ومخبز ضاحية الوليد هو الوحيد الذي يحوي متحكمات بالسرعة وهو الأحدث بين المخابز الموجودة في المحافظة.
وبالنتيجة كان هناك تباين بين معايرة اللجنة الفنية ولجنة مديرية التجارة الداخلية حيث تبين أن إنتاج الخط الواحد في مخبز الضاحية 577 ربطة، وفي حمص الآلي 600 ربطة، وقد أرجعت مديرية الشؤون الفنية عدم تعاون مديرية التجارة الداخلية مع اللجنة المشكلة من قبلها إلى وجود فرق كبير بين نتائج اللجنتين، وهنا وجهت اللجنة اتهامها لمديرية التجارة الداخلية في إخفاء تجاوزات فرع شركة المخابز الاحتياطية، لأن التلاعب بالسرعة الحقيقية للأفران يعطي مؤشرات كبيرة عن مصير كميات الطحين الفائضة والناجمة عن الفرق في وزن ربطة الخبز، كما شككت بمصداقية تجربة لجنة التجارة، وهنا نعود إلى التلاعب أيضاً بكمية المازوت فحسب الجدول المقدم من فرع الشركة العامة للمخابز تبين أن هناك فرق 69 ساعة تشغيل زيادة خلال شهر تشرين الثاني 2014 لمجموعة التوليد في مخبز حمص الآلي - وكأنه لا وجود للتيار الكهربائي مع أن التقنين كان في تلك الفترة ساعتين مقابل أربع ساعات قطع!
مديرية التجارة وحماية المستهلك.. تتهم!!
أكد مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بسام الحسن أن المديرية تمارس عملها بشكل نظامي فهي ومن خلال عناصرها في دائرة حماية المستهلك تراقب صناعة الرغيف وجودته وذلك من خلال الضبوط التي تنظمها بحق المخالفين، وفي العام الحالي بلغ عدد الضبوط المنظمة بحق الأفران الخاصة والآلية والاحتياطية ( 281) ضبطاً شملت مخالفات نقص الوزن وسوء صناعة الرغيف والتعبئة ووضع ربطتين في كيس والتصرف بالدقيق التمويني وعدم تصنيع كامل المخصصات، بالإضافة إلى سحب (64) عينة من مادة الخبز للتأكد من مطابقتها للمواصفات، وتنفيذ 17 إغلاقاً بحق المخابز الخاصة لارتكاب أصحابها مخالفات تموينية وخاصة فيما يتعلق بنقص الوزن، وكان لها مندوب من حماية المستهلك ومن دائرة المواد في التجارب التي أجريت على المخابز لقياس سرعة الإنتاجية وأرسلت النتائج إلى المحافظة وإلى الوزارة. لكن ليس لها علاقة باستهلاك الأفران الآلية للمازوت. وردّاً على سؤالنا بخصوص كمية الدقيق المخصصة لمحافظة حمص يومياً في عام 2011 والكمية المخصصة الآن مع الأخذ بعين الاعتبار خروج عدد كبير من الأفران عن الخدمة وعددها في المدينة والريف ( 116) من أصل 240 فرناً ونزوح أعداد كبيرة من سكان المدينة قال حسن وبحضور رئيس دائرة المواد في المديرية: إن الكمية هي 404 أطنان وهي كمية ليست دقيقة لأن مخصصات الأفران الآلية مفتوحة ولأن مخصصات بعض الأفران التي توقفت نقلت إلى أفران أخرى فيها ازدحام سكاني، وكانت 504 أطنان في العام 2011.. أي أن هناك وفراً حوالي 100 طن يومياً.
وأضاف حسن ورئيس دائرة المواد: إن كل ما أثير حول موضوع الأفران من قبل شخص في المحافظة هو موضوع كيدي و لغايات شخصية..!!.
أخذ وردّ بين المحافظ وفرع المخابز
عندما أثير موضوع الحاجة الفعلية للأفران الآلية من مادة المازوت والأرقام الخيالية الموجودة في جدول صادر عن فرع الشركة في اجتماع لمجلس محافظة حمص وبحضور مدير الفرع المهندس جليل ابراهيم الذي نفى أن يكون هناك أي تلاعب أو زيادة عن الحاجة الفعلية واتهم الجميع بأنهم لا يقدّرون تعبه وتعب العمال في الفرع في ظل الظروف الأمنية الصعبة، وعندما اتصلنا به بعد حين للاستفسار عن الموضوع وذكرنا له بعض المعطيات وخاصة الكتاب الموجه من محافظ حمص إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قال: لقد غير المحافظ رأيه!.. لكن محافظ حمص طلال البرازي أكد لنا أن هذا غير صحيح وهو أعد الكتاب المذكور بناء على تقارير اللجان..!!
المطاحن: نحن جهة تنفيذية
توجهنا إلى مدير فرع الشركة العامة للمطاحن رائد رحال وفي جعبتنا العديد من الأسئلة وخاصة فيما يتعلق بكمية الدقيق المخصصة لمحافظة حمص قبل الأزمة وبعدها وجودة الدقيق فقال: أنا لم أكن مديراً للمطاحن في العام 2011 ونحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع وبشكل تقديري تبلغ حاجة حمص حوالي 500 طن يومياً، فنحن نتلقى جداول من مديرية التجارة الداخلية وهي التي تحدد كمية الدقيق المطلوبة فنحن جهة تنفيذية.
أما بخصوص سوء صناعة الرغيف فقال: حتى لو تم تغيير نسبة الاستخراج فإن سوء صناعة الرغيف تتعلق بعمل المخابز وطريقتها في الصناعة.
الوزارة ومصير كتاب المحافظ!
نتيجة لكل ما أثير حول موضوع الأفران والخبز في المحافظة وجه محافظ حمص طلال البرازي كتاباً إلى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 7-7 - 2015 يطلب فيه إجراء اللازم ومحاسبة المخالفين والمتسببين بهدر كبير بالمال العام بسبب وجود كميات فائضة من الطحين وناتجة عن فرق وزن ربطة الخبز، والتلاعب الكبير بسرعة إنتاجية الأفران الآلية خلافاً للمعلومات المقدمة للوزارة من مديرية التموين والتجارة الداخلية بحمص بالكتاب 2434 بتاريخ 1-8 - 2014، بالإضافة إلى التلاعب بجداول استهلاك مادة المازوت لزوم تشغيل مولدات الديزل ومعايرة المجموعات العاملة بالمخبز.
وقد اعتمد المحافظ في كتابه على المذكرة الفنية المعدة بتاريخ 15-3-2015، والمذكرة الفنية بتاريخ 25-6- 2015 ومرفقاتهما وفيهما تمّ الكشف عن وجود كميات طحين فائضة ووجود تلاعب بكمية المازوت.
لكن - والكلام للمحرر - لم تحرك الوزارة ساكناً ولم تفعل شيئاً بخصوص هذا الموضوع وكأن شيئا لم يكن.. وهكذا على المواطن في حمص أن يتحمل إهمال وتقصير كل الجهات التي لها علاقة بسوء صناعة الرغيف بحمص في ظل غياب محاسبة المقصرين والمهملين.
ملاحظات على الهامش
-عندما أثير موضوع الأفران وسوء صناعة الرغيف في مجلس المحافظة لوحظ وجود تحسن في الخبز لكنه لم يدم إلا لفترة قصيرة وهذا دليل على أنه بمقدور القائمين على الموضوع أن يعملوا بشكل جيد.
-لا نعرف إن كان هناك بعض المعايير الخاصة لدى مديرية التجارة بحمص لترخيص فرن في بعض القرى وحجبه عن قرى أخرى رغم حاجتها الماسة
-عندما زرنا الجهات التي لها علاقة بالموضوع كانت كل جهة تدافع عن الأخرى وكأنها متفقة على ألّا يكون هناك خبز جيد في حمص .
-هناك تباين في الإجابات الخاصة بكميات الدقيق المخصصة للمحافظة بين جهة وأخرى.