أو ليبرالية ضعيفة تائهة تفتقر إلى الوعاء السياسي والاجتماعي الذي يحملها وتتسلل من بين ظهرانيها القوى الخارجية.
الفكر القومي بوصفه الحاضنة النظرية للرابطة القومية هو الأكثر عرضة للسهام سواء من قوميين ناقمين على ماضيهم، أم ليبراليين محدثي نعمة ينعتونه بكل مايخطر على البال مثل الخشبية والعدمية والتهور والاستبداد..الخ أو اسلاميين قد يرونه نقيضاً لمفهوم الأمة الإسلامية الأوسع إطاراً.
وقد شكلت نكسة حزيران 67 أول انتكاسة كبرى للفكر القومي على الرغم من أن حرب تشرين بعد ست سنوات أعادت بعض الاعتبار للرابطة القومية حيث سجل العرب وقفة جماعية محمودة ضد اسرائيل.
وجاءت حروب العراق المتوالية بدءاً من حربه ضد ايران ثم غزو الكويت وصولاً إلى الحرب الحالية بمثابة كوارث، ليس على الواقع العربي الذي ازداد انقساماً وتشرذماً وتعمقت اختراقاته الخارجية، بل على الفكرة القومية نفسها التي باتت الهجمات عليها أكثر فجاجة بحيث جرى تحميلها كل أوزار وارتكابات ماجرى.
ومما لاشك فيه أن الفكر القومي يمر بأزمة، حاله حال كل الأفكار الأخرى التي وإن سقطت أو أخفقت بعض تجاربها إلا أن ذلك لايلغي الفكرة ذاتها. وقد كانت هناك تجارب وحدوية نجح بعضها مثل التجربة اليمنية وتجربة الإمارات العربية المتحدة وأخفق بعضها الآخر مثل التجربة بين مصر وسورية.
والتحدي الذي يواجهه الفكر القومي اليوم هو أن يتمكن من تجديد نفسه بعيداً عن الطروحات التقليدية بشقيها القسري والرومانسي، وهو بحاجة إلى جرعات جديدة تلتفت إلى ماحملته التطورات والمتغيرات الدولية للمنطقة وخاصة على صعيد قضية الديمقراطية والإصلاح السياسي كمدخل لتحديد خيارات الشعب في الدولة القطرية، مايعني أن هذه الدولة القطرية ليست كياناً معادياً للفكرة القومية، بل يمكن أن تكون محطة ضرورية للوصول إلى الدولة القومية إضافة إلى دور العامل الاقتصادي بوصفه قاطرة للسياسة وليس العكس.
والقضية الأخرى التي لاتقل أهمية عما سبق هي مبدأ المواطنة بمعناه الحديث القانوني والديمقراطي الذي لم يحظ باهتمام عميق في الفكر القومي العربي التقليدي وكسائر المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية، مثل مكانة الفرد مثلاً مقابل مركزية الجماعة، ظل هذا المبدأ مستبعداً في النظرية القومية العربية، وبعيداً عن الممارسة في مجمل الدول العربية.
ويعود غياب مفهوم المواطنة بمعناه الحديث عن تيارات الفكر القومي العربي إلى عدة أسباب في مقدمتها إعطاء الأولوية لعوامل الدم واللغة والتاريخ (وفق النظرية الألمانية) في تشكيل الوعي القومي على حساب قضايا الحقوق والواجبات وفق التنظيرات الفرنسية بشأن تشكيل أي مجتمع قومي حديث.
يضاف إلى ذلك ضغط أولويات التخلص من الاستعمار والتبعية للخارج، وبناء دولة مابعد الاستقلال بالتوازي مع مواجهة المشروع الصهيوني.
والواقع أن الفكر القومي العربي بمفهومه الحديث الذي تبلور في مطلع القرن العشرين كان انعكاساً لواقع معين وجاءت مفاهيمه وتصوراته ونظرياته انطلاقاً من هذا الواقع، مايعني أن تجديد هذا الفكر بات مهمة ملحة نظراً لاختلاف الظروف والتحديات التي يواجهها العرب فرادى ومجتمعين، باعتبار أن الأفكار يجب أن تواكب الواقع، وإن لم تفعل فستكون غريبة عنه ومصيرها إلى الفشل.