في زحمة اليومي والاستهلاكي وطحن قمح الوقت بين رحى الأيام المزمجرة الصاخبة, تنفتح أمام روحك نافذة شهية الضوء, تسرّب إليك عبيراً شهياً... هل يمكن لأيٍّ منا ههنا ألا تركض روحه إليها! بمثل هذا تماما صوّبَ ذاك الديوان الشعري لغته وصوره على روحي فأردى حبر قلمي عاشقا ينساب على الورق كلمات نشرت في هذه الصفحة الثقافية... مرة أخرى سأخيب ظنكم عن غير عمد, وأقول :إن القصة لمّا تبدأ بعد!
في اتصال يأتيني من مسافة عتب أو اتهام, صوتٌ أحترم وأُجل صاحبه, أضطرب في الرد على عتب قست كلماته عليّ قليلاً: لماذا لم تكتبي عن ذلك ( الكتاب ) الذي أهديتك؟! أم أنك متحيزة للحمصيين فقط؟ لملمت كلمات عجلى هي كل ما وردني من إعانات لفظية حينها لأبرر وأعتذر, ولكن سؤالاً كبيراً بحجم دهشتي بقي معلقاً: أين الإعلام من الأدب, وما هو دوره؟
بداية أؤكد تقديري لذاك العاتب المحب, وأغتنم الفرصة لأعلن أمامكم جميعاً عن شديد تطرفي لكل ما هو جميل في حمص, وفي أي بقعة من سورية ومن العالم, ولن أخفي عنكم تحيزي لروائع أدبية عالمية, أعتقد أنني أتقاسم التطرف نحو جمالياتها مع كثيرين منكم.
بلى لقد تورطت بفعل كتابةٍ ولأول مرة عن كتاب ما, لكنني فعلت ذلك عن سابق شعر وعن توهج مقصود ومتعمد بالتعاطي معه, لم يحدث ذلك لأن كاتبه حمصي, بل لأن كاتبه مبدع حقيقي ولا ألمح مطلقاً إلى عكس ذلك حين أتطرق لأي كاتب آخر, لكنه هبوب نسيم الروح يا أصدقاء ! فهل تعتبون على بوصلة الهبوب؟
خروجاً من الباب الضيق إلى البوابة الأوسع, نجد السؤال السابق أمامنا يفرض علينا مواجهة غير محسومة النتائج حتى الآن: أين الإعلام من الأدب, وما أهمية دوره؟
يقول مهتمون بأن المبدع والناقد والقارئ هم أضلاع ثالوث العملية الأدبية.. هذا كلام تقليدي كلاسيكي تعرض في مستهل القرن الحادي والعشرين – وقبل ذلك بقليل - إلى تغير في أضلاعه وبدلاً من الثالوث, بات لدينا مربع العملية الأدبية, أي صار لدينا الآن معادلة أخرى بأربعة عناصر أساسية يتم عبرها التفاعل وهي: المبدع والناقد والصحيفة والقارئ, أما المبدع أو لنقل الإبداع, فالكلام لن ينتهي إذا حاولنا الخوض في استحقاق معظم ما يكتب وما ينشر في كل ميادين الأدب لهذا التوصيف, ومن هنا تأتي أهمية وخصوصية دور الناقد الذي يعمل على تسليط الضوء على الإبداع الحقيقي من بين ذلك الركام المندلق يومياً من مستودعات دور النشر ( وهي غالباً لا تقوم بفعل آخر سوى الطباعة! ) لكن واقع الحال لا يذهب إلى ذلك ويخشى كثير من النقاد خوضاً جدياً فيما ينشر خشية أن ينفضّ عنهم محبّوهم من الأدباء وهكذا غاب وإلى حد كبير دور النقد الجاد الذي لا يعمل على الهدم, بل يحافظ على حقوق القراء – إن وجدوا - من الجهلة والأميين وأدعياء الأدب, فالنقد مسؤولية أخلاقية عليها أن تحمل رسالة الصدق الجديرة بالاحترام بعيداً عن العلاقات الذاتية ( وبالاتجاهين السلبي والإيجابي ). يعتقد بعض المهتمين أن النقد بمفهومه الشامل غائب, إذ ما عاد يقوم على الخلاف والاختلاف لأجل الوطن والأدب, بل يعزز المصالح الشخصية فقط. في الانتقال إلى الصحيفة وبشكل أوسع إلى وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة وعلاقتها بالأدب, نجد من يرى أنها باتت ركناً هاماً في العملية الأدبية, وصار هناك ما يعرف بالدورة الأدبية حيث تعمل وسائل الاتصال على حمل المنتج الأدبي إلى الأفراد- القراء, فالجهاز الإعلامي يتوجه إلى ملايين الناس ليمارس أنواعاً من التصنيف والفرز, والتجميل, وأحياناً الإقصاء . في علاقة النقد بالإعلام يبدو أن المسافة بينهما شاسعة من زاوية استعمال كل منهما لمفردات العصر وتقنياته ففي حين يأتي الإعلام بكل أشكاله في طليعة مستخدمي التقنيات الحديثة, يبقى النقد الأدبي محافظاً على مفهومه ومصطلحاته المنتمية إلى النقد اللغوي الأدبي, رغم دخولنا عصر الصورة الذي كان يستدعي إحداث تغيير ما في جهاز النقد التقليدي, ويبدو لآخرين أن وسائل التعبير النقدية تعاني أزمة ما ، إذ تعجز عن تقديم الرأي والرأي الآخر، ولعلنا لا نكشف خافياً إذا أشرنا بأصابع التقصير إلى القنوات الفضائية المختصة بالشأن الثقافي, وهكذا يرى بعض المتابعين أن عزلة النقد تتأتى من قيامه باستيراد تيارات وطرح مصطلحات نقدية فجأة في المنتديات والرسائل الجامعية . خلاصة القول: إن الرافعة الإعلامية للنصوص أداة تشبه سكيناً ذا حدّين وعلى مستخدمها أن يكون خبيراً, ورغم ضرورتها كرافعة لشأن نص أو كتاب فهذا لا يعني أن الكثير من الإصدارات التي لم تنل حظاً وافراً من الضوء الإعلامي – وربما الإعلاني- غير جديرة بالقراءة, بل لعلها ظلمت في متاهة المحسوبيات الشخصية أو غير ذلك , حتى نقارب المنطق في كلامنا, وعكس القول صحيح تماماً, فليس كل ما عرض في الصفوف الأولى في واجهات الإعلام يستحق الحبر الذي كتبت به مطولات مدائحية. لعلنا جميعا مهتمون بالرافعة الإعلامية ولعل كما كبيرا من القناعات الفنية و غيرها تشكلت, ليس انطلاقا من النصوص, بل من خلال تلك الرافعة, بينما تؤكد حركة الواقع شيئا آخر!
يلعب الناقد دوراً ضرورياً للمبدع, لكن وسائل الاتصال تلعب دوراً هاماً لكليهما, ولابد من تعاون أطراف المعادلة الأدبية أي المبدع والناقد والصحيفة ( الإعلام ) أما القارئ فأنتم قرائي الأعزاء – إن كان ثمة من يقرأ هذه السطور – أدرى بشعابه!