|
درس غزة معاً على الطريق ولأن معركة غزة محطة لمعارك لاحقة فهذا يعني أنها درس مهم لاستخلاص العبر، تماماً كما هو درس معركة تموز. وإذ أقول معركة فلأني أرى الأمر في حقل سيرورة يجب أن تفضي إلى هزيمة العدو هزيمة مطلقة. درس غزة درس تطبيقي عملي لتأكيد قضايا نظرية كلية. درس غزة مجموعة من العبر التي إذا ما أحسن أخذها بعين الاعتبار اقتربنا من الهدف المنشود ألا وهو هزيمة العدو. العبرة الأولى: أن عدونا بات في مرحلة ما عاد فيها قادراً أن يتصرف على هواه في ترتيب أوضاع المنطقة كما حصل في عام 1967، وهذه العبرة أكدتها معركة تموز. فعندما يصل عدوك إلى حال من توازن القوى معنا رغم ضعف الامكانيات العسكرية فهذا يعني أن كل ما يقوم به العدو وما سيقوم به أمر لا طائل منه من حيث عدم قدرته على تحقيق أهدافه. العبرة الثانية: أن ما هو هام وقادر على تعويض عدم توازن القوى التقنية والعسكرية التي هي بالأصل لمصلحة العدو هو الروح القتالية لدى شعب قرر أن يدافع عن حقه غير مكترث بالتضحيات التي يقدم. بحيث أرغمت الروح القتالية المؤسسة العسكرية الاسرائيلية أن تفكر بخسائرها قبل الإقدام على عدوانها. العبرة الثالثة: وهي من العبر المهمة جداً. ألا وهي أن حل الصراع العربي-الصهيوني لا يمكن أن يتحقق بهزيمة إسرائيل إلا انطلاقاً من عروبة القضية الفلسطينية. لا حلّ فلسطينياً للقضية الفلسطينية. وهذا الحضور العربي تميز بأمرين: الأمر الأول: أن النظام العربي الرسمي ليس في طاقته تحمل عدوان اسرائيلي غير قادر على تحقيق أهدافه بوقت وجيز. الأمر الثاني: أن الجمهور العربي أثبت أنه قادر على فرض وجدانه الوطني على حكامه إن هو صار كتلة واحدة تحتل شوارع المدن والقرى العربية. وهذا يعني أيضاً أن نطاقاً عربياً مهما كانت درجة تبعيته للولايات المتحدة الأميركية لا يستطيع تحمل تبعات الشارع العربي. والعبرة الرابعة: أن العالم الذي كان قادراً على تحمل مجازر العصابات الصهيونية في مرحلة الأربعينيات والخمسينيات لم يعد قادراً أبداً على تحمل مجازر هذه العصابات؟ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فحضور فكرة الانسان وحضور حقوق الانسان في الوجدان العالمي ما عاد يسمح لآلة عنصرية أن تمارس عنصريتها كما يحلو لها. ولقد دللت معركة غزة ضد العدوان الهمجي الصهيوني على أن العالم لا يستطيع تحمل همجية على هذا النحو المريع كما مارستها العصابات الصهيونية. وما خوف العدو من محاكمة مؤسسته العسكرية إلا الشاهد على تغير قيم العالم. والعبرة الخامسة: ضرورة التمييز بين سياسة الغرب وأمريكا «غرب الرسمي » وبين عواطف الانسان الأوروبي العادي والذي خرج إلى الشوارع مندداً بالعدوان والسكوت عن العدوان. أما العبرة الأخيرة: فهي أن الفلسطيني قادر على فرض شكل العلاقة معه على أساس سلوكه وموقفه وكفاحه. أجل: فإن هو صمد في وجه العدوان وطرح أهدافه الكبرى دون مساومة فرض على العالم التعامل معه على هذا الأساس، وإن هو تراخى في كفاحه وقلل من سقف أهدافه وجد من يفرط معه بقضيته. ولعمري: ان استخلاص العبر من معركة غزة ومعركة العراق ومعركة الجنوب يجب أن يؤسس لنظرة جديدة للصراع مع كل من يعادي هذه الأمة وإذ لم نفعل ذلك فإن المعارك العظيمة تزول آثارها بزوال وقتها ولا نريد لمعاركنا العظيمة أن يموت تأثيرها.
|