فقد بالغت الإدارة الأميركية في الأيام الأخيرة كثيراً في اتهاماتها لسورية وصعدت في تهديداتها ,الأمر الذي يدعو للسؤال عن مرامي هذه الحملة المنظمة والتوقف عند أبعادها وتداعياتها المحتملة.
الاختيار الأميركي للبوابة اللبنانية لشن هذا القصف الاعلامي والسياسي الاتهامي وانعكاساته على الأرض يقدم دلالة بارزة على الدور الاسرائيلي في هذا الشأن وخاصة أن الاتهامات والتهديدات الأميركية سبقتها اخرى اسرائيلية تكاد تكون نسخة عنها مع بعض الرتوشات المكشوفة.
المستغرب والمفاجىء في الموقف الاميركي ذلك الجمع ما بين الحرص على وحدة واستقلال لبنان وبالمقابل التدخل المباشر في تفاصيل شؤونه الداخلية في مرحلة دقيقة وحساسة يمر بها.
وعلى ما يبدو أن من جملة ما تسعى الولايات المتحدة لنسفه في المرحلة القادمة ما يعرف بضوابط السيادة المتعارف عليها في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة, وليس أدل على ذلك من تصرفات معاون نائب وزيرة الخارجية الأميركية ساتر فيلد في لبنان التي تمس بشكل سافر أبسط مقومات السيادة وكذلك الاستمرار الاسرائيلي بانتهاك الأجواء اللبنانية على مدار الساعة.
فمن وجهة النظر الأميركية ¯¯ الاسرائيلية بات الوجود السوري في لبنان المضبوط باتفاقيات بين البلدين والذي كان يحظى حتى قبل وقت ليس ببعيد, بالرضى والقبول الأميركي والأوروبي احتلالاً لهذا البلد وانتهاكاً لسيادته فيما احتلال العراق وفلسطين منارة للحرية والاستقلال.
فبقرار أميركي اسرائيلي تحول السلم الأهلي في لبنان والذي استهدف بجريمة اغتيال الحريري إلى عنوان لانتهاك الحرية ,بينما الارهاب والقتل والتفجيرات وتدمير البيوت والمزارع والاعتقالات وانتهاك حقوق المعتقلين في فلسطين والعراق طريق للحرية والسيادة والاستقلال.
من هذا المنظور الأميركي المغالط للواقع والمجافي للحقيقة والهدام للقانون الدولي وشرعة الامم المتحدة يمكن استشراف تداعيات المشروع الأميركي للمنطقة برمتها التي تشكل البوابة اللبنانية استكمالاً لمثيلتها العراقية وعلى الذين يجدون في الحراك الأميركي سبيلاً أو منفذاً لهم فيه أن لا تبهرهم التصريحات الأميركية حول الحرية والسيادة والاستقلال ,فاستراتيجية المحافظين الجدد أبعد بكثير عما يفكر المأخوذون بهذه التصريحات ,وتاريخ المنطقة القريب يقدم شواهد عن كل الذين وضعوا أنفسهم في مهب مشاريعها وكانوا بمثابة الاداة الطبيعة لتنفيذ ارادتها.
فالواضح أن إدارة بوش ماضية في ضرب الدعائم والاسس التي تكفلت في العقود الماضية بمنع تصادمها لحساب الاستراتيجية وأي محاولة مهما كانت قوتها وما تستند إليه من قواعد صحيحة لتصويب هذه السياسة الأميركية ستضعف في إطار العدائية لأميركا, ومشاريعها وتصريحات رايس الأخيرة بشأن الموقف السوري من الشرق الأوسط الكبير المبالغ فيها كثيراً تفضح إلى حد كبير الادعاءات الأميركية حول الحرية والسيادة والاستقلال.
المراقب لتطورات السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يطمئن لتداعياتها المحتملة وخاصة على الأمن والاستقرار فيها ,وما يدعو للقلق ذلك التلطي خلف شعارات الحرية والديمقراطية بهدف تحقيق اغراض اخرى خطيرة, فأين كانت الولايات المتحدة طوال السنوات الماضية ولماذا استفاقت الآن وفي هذه المرحلة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط وماذا عن الازدواجية التي تعتمدها من دولة لأخرى في هذه المنطقة?
إن مواجهة السياسة الأميركية في هذه المرحلة يستدعي الإسراع بسحب الذرائع التي تتكىء عليها هذه السياسة والعمل على تنفيذ مسوغاتها والمبادرة على تحقيق نقلات نوعية تغلق الطريق أمام المشروع الأميركي ,فمن شأنها كسب المجتمع الدولي الذي يقع في هذه الفترة تحت تضليل إعلامي غير مسبوق ضد دول المنطقة وقيمتها وحضارتها.
وانطلاقاً من ذلك فإن عقلنة هذه السياسة لا يمكن أن تتم بالرضوخ لها والتسليم بأمرها وإنما بالتعاطي معها بروية وهدوء وبمنطق المصالح بعيداً عن التصادم الذي تسعى إليه بعض القوى النافذة في الإدارة الأميركية, وبعيداً عن سياسة الرضوخ التي تفقد اطرافها دعم المجتمع الدولي وتأثيره على الولايات المتحدة وترتب التزامات كبيرة ولا سيما أن سلسلة المطالب الأميركية لا تنتهي ,ودائماً هناك ملفات جديدة واتهامات وتهديدات ترافقها مادام المشروع الأميركي في المنطقة يواجه بالمقاومة الشعبية.
فالوضع يتطلب مزيداً من اليقظة والحذر وخاصة أن هناك أطرافاً في المنطقة تروج للمشروع الأميركي ,ومن المهم جداً التعاطي معها بالكثير من الحيطة تجنبا لاستثمار أي موقف في اتجاهات أخرى لا علاقة لها بالموضوع في لبنان.