من خلال المسابقات الادبية في مختلف الاجناس لعلها توقفت قليلا في مطلع التسعينات لكنها عادت بتنظيم اكبر وفعالية اوفر والحديث هنا للشاعر الاستاذ ممدوح السكاف رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص في حوار اجرته صحيفة العروبة الحمصية معه اثر اعلان الفرع لمسابقته المعتادة اواخر صيف العام الماضي والتي اقتصرت على النص المسرحي ويبرر الشاعر ممدوح السكاف ذلك بقوله :
ثمة شرايين مستطرقة واشجة بين فن القصة والمسرح من حيث ارتكازهما غالبا على ارضية مشتركة من حكاية حال الانسان باعتباره جملة من المشاعر والافكار ومن حيث علاقاته العاطفية وتطلعاته الفكرية وصلاته الاجتماعية ومن ثم تصادم الشخصيات البشرية والنماذج الانسانية في الحياة لكن دائرة القصة اوسع في الكتابة واسهل من دائرة المسرحية.. ضمن هذه المقولات قد نجد من بين هواة كتابة القصة ممن تقدموا سابقا للمشاركة من يكتب اعمالا مسرحية او قد نجد هواة لكتابة المسرح دون ان يمارسوا كتابة القصة و الامل معقود على كل من يملك موهبة ولو محدودة في كتابة عمل مسرحي ففي هذه المسابقة فرصة لاكتشاف امكانياته .
وبعد فقد صدرت نتائج تلك المسابقة فأقام فرع الاتحاد في حمص ندوة تكريمية للفائزين فيها اكد خلالها الشاعر سكاف اهمية المسابقات الادبية في اكتشاف الطاقات وشحن القدرات لدى جيل الشباب وقد القى الفائزون الثلاثة سعيد ثماتا, سريعة حديد , وخالد الشبيب كلمات قصيرة ألقوا من خلالها اضاءة على الموضوعات التي عولجت في نصوصهم المسرحية الفائزة.
الدكتور رضوان قضماني تقدم بمداخلة نقدية للاعمال بين من خلالها خصوصية النص المسرحي فهو كل خطاب مسرحي غير مرتجل - اي تم تثبيته كتابة - ليتسم بالكلية والتواصلية اللتين يحققهما الوعي المقترن بالعفوية انه المستوى اللغوي الثابت الدائم من الابداع المسرحي واوضح وجود نوعين من العلاقات في النص المسرحي : علاقات داخلية قائمة على اللغة وهي دائمة جوهرية وثابتة اما العلاقات الخارجية فهي متبدلة ( ممثل- خشبة- اضاءة-ديكور..).
ثم تطرق الى مسألة المشهدية والفرق بينها وبين التركيبية ثم دور السيميائية في المسرح فمشهدية المسرح تقوم على الحوارية وعلى تعددية صوتية وقال : هناك حوار في جوانب من بعض الاعمال الفائزة لكنه ذو صوت واحد موزع في ادوار يخل بالحوارية فتعددية الاصوات تقوم على الاختلاف والتباين ووحدة الاضداد والتقابل ما يقودنا الى مستويات اللغة في الحوار فلكل شخصية لغة حوار خاصة وهي تكاد تغيب في مسرحيتي ( سريعة حديد وخالد الشبيب) ونجد تكلفا في الاعمال ونتيجة مسبقة يراد الوصول اليها وهذا يخل بالمشهدية ثم اضاف:
ان قراءة النصوص دفعتني للحديث عن توضيح الفرق بين مسرح الطفل ومسرح الطلائع ( نص المارد واصدقاء الطبيعة لسريعة حديد ) فمسرح الطفل لا يقوم على المباشرة واللغة الايديولوجية دون احتمال تواصلية مع خشبة المسرح.
اما سعيد ثماتا في نصه ( مشروع تخرج) فقد اعتنى بالمشهدية التي تقوم على الحوارية والتعددية الصوتية.
ويبدو رأي الاستاذ محمد بري العواني من خلال مداخلته متوافقا مع رأي الدكتور قضماني حول افضلية نص سعيد ثماتا- الفائز الاول- مؤكدا في بداية كلامه على التفريق بين مبدع ذي خبرة وتجربة ودراية وكاتب لا يزال طريقه محفوفا بالغموض الناجم عن قلة خبرته ودرايته وربما جهله بالجنس الادبي والفني الذي يكتب فيه واضاف : تكشف النصوص المحتفى بها كنتاج فائز في مسابقة للجنس المسرحي عن قصور في مستوياتها الفنية كليا او جزئيا وهي تتفاوت من حيث القصور بسبب وعي بسيط بطبيعة الجنس الفني واعتبر نص ( المارد واصدقاء الطبيعة) لسريعة حديد اضعفها بامتياز .
اذ يكشف نصها بجلاء عن جهل الكاتبة بأبجديات المسرح الاولى فهي تريد نقل افكار مسبقة رسخت في ذهنها عن التربية والقيم دون وضعها في سلوك عملي مشخص فالنص يكرس تعليمية فجة وسكونية سلبية على صعيد الحركة.
اما نص ( آلة الزمن) لكاتبه خالد الشبيب فقد احتشد برموز كثيرة لا طائل منها دراميا سوى انها افكار مهجوس بها ولا تدل الا على ذاتها , انها مسرحية شعاراتية في موضوعها ومضمونها وساذجة في اسلوب سرد حكايتها وبناءحبكتها وتوتير عقدتها وعلى هذا فان نص ( آلة الزمن) يستخدم مكونات النص المسرحي من حكاية وشخصيات وحوار وافعال افتراضية لكنه يفشل في اكسائها بلحم ودم ولكنه مع كل ذلك يتضمن في بعض ثناياه طموحا لتحقيق كتابة مسرحية ما زالت قاصرة.
(مشروع تخرج) لكاتبه سعيد ثماتا هو نص يمتلك لحسن الحظ خصوصية من حيث طرافة فكرته وموضوعه - والكلام ما زال للاستاذ العواني - فالموضوع هنا هو سوء السكن الجامعي وانعكاس ذلك على نفسية الطالب انه نص لا يستسلم بسهولة لافكار مسبقة عن آليات القمع وادواته قدر امتثاله لهواجس طالب جامعي يعاني ازمات نفسية وفكرية ناجمة عن اوضاع غير اجتماعية وعن مؤثرات ثقافية خارجية اننا امام دراما شخصية منسجمة ومتعاضدة حيث يحرك الشخصية عالمها المأزوم وواقعها المضطرب والميزة التي تحسب للنص تكمن في ان بناء الشخصية قدامتثل لكل هواجسها غير المفصح عنها والمضمرة بشكل متقن وهذا لا يعفينا من الاشارة الصريحة الى ترهل الفصل الاول بحواراته الطويلة ورغم كل ذلك فقد كسبنا مؤلفا مسرحيا واعدا يعي طبيعة الدراما ووظيفتها .