|
في قراءة سليم بركات .. قول على قول ثقافة
عن جيل السبعينيات من الشعراء في سورية مختارا شاعرين هما سليم بركات ومحمود السيد, وبعنوان ( طاقات النثر وجيل السبعينيات.. رؤية نقدية) سأدع الآن التعليق على ما كتبه عن محمود السيد جانبا على امل العودة اليه في مقالة اخرى, واختار موضوع سليم بركات لعلاقتي المباشرة بالموضوع وبنتاجه الذي عملت عليه عدة سنوات . يبدأ الحديث عن سليم بركات منذ البداية قائلا: ان سليم بركات متحدر من اصل غير عربي ولكنه ينتج نصه باللغة العربية .. بداية لا أود التعليق على التراكيب اللغوية وركاكة التعبير في تلك الكلمات بل أود التوقف عند حديثه عن الأصل غير العربي لسليم بركات ودون ان يسميه اذ ان الامانة الادبية والاخلاقية تقتضي هنا ذكر( أصله) ما دام الناقد يقول بأن سليما (لا يتحدر من اصل عربي ) . واعتقد لو أنه تحدث عن شاعر هندي يكتب بالعربية لقال بعد تأكيده على عدم اصله العربي بأن الشاعر المذكور ينتمي الى الاصل الهندي . وهنا تكمن النظرة المسبقة للشاعر المنقود والحكم المسبق وقبل الحديث والتعليق على ما جاء في مفاصل مقالته اظن ان الالتفاف على القضايا بهذه السذاجة لم تعد تنفع احدا وهنا اشير بأنه ليس مهما لي قط ان نتذكر قوميته ام لا الا عندما تتم دراسة ادب هذ الكاتب دون معرفة خلفيته ومرجعيته التي تنتمي لمجموعة من البشر الذين بدورهم يختلفون عن الآخرين بطقوسهم وتقاليدهم وذهنياتهم وان تساووا مع الآخرين من المبدأ الانساني الشامل وعدم التوقف عند هذه الخلفية (القومية تحديدا) عند الشاعر سليم بركات ستؤدي حتما الى النفق الذي سيبدو مظلما للقارئ العربي وهي في نهايتها لا تؤدي الا الى المزيد من القطيعة الثقافية بدل التواصل بين الاطراف البشرية, فسورية بلد متعدد الاطياف وهذه من مصادر قوتها وليست ضعفها اذا اراد الجميع ان يتبادلوا اختلافاتهم معا وضمن مفهوم وطني شاسع يكفي الجميع فاحدى اعقد المشكلات التي نعاني منها هنا في شرقنا بشكل خاص هي عدم معرفتنا بالآخر وعدم احترامنا لكونه مختلفا عنا وهذا الجهل الانساني والثقافي المتبادل بين الاطراف هو ما يخلق الشك والريبة في نفس الآخر ويدفعه بقصد او دونه الى ا لغاء الآخر في جانبه الانساني و قديما قال العرب : ( المرء عدو ما يجهل) فهل يحتاج المرء منا كل هذا الجهل ? والتجاهل?. وهأنذا أورد مقطعا نثريا لسليم بركات - من كتابه الاقرباذين - حول هذا الموضوع بالذات إذ ان مسألة ( تحدره من اصل غير عربي) استخدمها الكثيرون من يتامى الجاهلية والمتباهون ب¯ (الاصول ) للطعن في شرعية انتساب بركات للكتابة باللغة العربية يقول بركات: أوساط من كتبه النقد الاكاديمي يتامى الواقعية الاشتراكية وحفنة من العائدين الى عمقهم العربي بعد تيه في الاممية واخواتها يتداولون ( شرعية ) انتسابي الى الكتابة العربية لأنني ببساطة لم أفصل لأبي بنطالا يتماهى به مع الزي العربي وتركت امي في زي لا يشبه ما ترتديه نساء العواصم . في مكان آخر يتساءل عبد المولى مندهشا ومستنكرا : كيف يعبر سليم بركات عن ذاته ورموزه ووجدانه الجمعي بلغة نقيضه- واتمنى ان لا تحمل كلمة النقيض على غير محملها الطبيعي فهو ليس النقيض العدو ( شكرا يا عبد المولى) ولكنه ليس المشترك بالتاريخ والروح والعادات اي كيف يسكن سليم بركات في لغة هي ليست لغته ? وكما نعرف فاللغة بيت الشاعر ووطنه ووجوده لا ادري من يقصد ب¯ كلنا نعرف ? ولو ان احد الاوربيين قال عن كاتب عربي يكتب بلغته الاوربية مثل هذا الكلام لا تهمه عبد المولى بالعداء للعروبة والتاريخ المجيد لأمته وربما بالعداء للسامية ايضا ! فمن الخطأ الفاحش القول عن سليم بأنه لا يشترك لغويا وتاريخيا وروحيا مع (هؤلاء) الذين يشير اليهم الناقد , بل يمكن القول ان سليم بركات تميز وشمخ لانه اشترك بكل ما نفاه الناقد اعلاه وبطريقة عشق حضارية وانسانية تستحق التقدير رغم ما يستكثره عليه بعض المتعصبين الجهلة. في اكثر من حوار ومقالة ذكر سليم بركات بأن اللغة العربية هي هويته وهي حريته وبالطبع هو يدرك تماما ما يقوله,ولا يقصد بأنه يتخلى عن هوية لمصلحة اخرى , كي لا يظن الاستاذ عبد المولى ذلك , فالمسألة هنا لا تحتاج لشراء بطاقة او الانتساب لجمعية ما لكي يشترك ( بشكل رسمي) وبأوراق موقع عليها (اصولاً ) من قبل جهات تحدد اشتراك هذا المخلوق او ذاك في هذه الثقافة او تلك فسليم بركات ولد كرديا لأبوين كرديين لهما لغة وتاريخ وثقافة عمرها آلاف السنوات, ولكنه مثلنا جميعا الذين نكتب بالعربية ولا ننتمي للاصول العربية - درس بالعربية , وقرأ التاريخ العربي وتراثه , منذ ان حمل دفترا ليذهب الى مدرسته الابتدائية ونبغ الرجل في هذه اللغة وعشقه وكان من قبله أبوه ( الملا ) الذي قرأ العربية والفقه الاسلامي وصار رجل دين فهو كردي ولم يدعِ يوما غير ذلك لكنه لم يطلع على تراثه وتاريخه الكردي كما تسنى له الإطلاع على التراث العربي ويتعمق فيه الى هذا ا لحد المؤثر فهل يحق لأحد الآن ان يقول إن سليم بركات لا يشترك بهذا التاريخ وغريب عن الثقافة العربية ?? يتحدث ( الناقد) في رؤيته بأن سليما ثر اللغة والبيان في قصائده التفعيلية ولكنه يهلوس ويصاب ب¯ (الورم اللغوي) في نثره المشكلة كما ارى هي ليست في نثر سليم بركات بل في عدم فهم الآخر للحيوات والبشر الذين يتناولهم سليم في نثره وبالشكل الاكثر وضوحا بالاضافة لموقف الاستاذ عبد المولى من مسألة شعر النثر اذ ان اغلب ( نقاد ) سليم بركات واغلب مثقفي البلد ومنهم عبد المولى بالطبع لم يكلفوا خاطرهم مرة ويسافروا ثماني ساعات ب¯ ( الباص) باتجاه الشمال السوري ليتعرفوا على اهل سليم بركات وجيرانه ولغتهم ولباسهم وبيوتهم , على الرغم ان الجميع يؤكد ان تلك البقعة التي تربى فيها سليم بركات هي (جزء عزيز من البلد) ولهذا فحين يتحدث سليم بركات عن البغال المضيئة والفخاخ التي ينصبها الاطفال البلاطفولة ليصيدوا بها الهواء ستبدو لعبد المولى ضربا من( الورم اللغوي) فالشاعر سليم بركات يستعير رموزه وروح معانيه من بيئته ولكن المثقف عندنا للأسف يعرف عن غابرييل ماركيز اضعاف ما يعرف عن بلدة تسمى قامشلي , هم يبررون لماركيز عندما يقنع قارئه العربي بالفتاة التي طارت الى السماء في رواية ( مائة عام من العزلة) ليختفي اثرها من الرواية بعد ذلك ولا يبررون لسليم بركات كيف ان شخصية (بيكس) في روايته فقهاء الظلام تكبر عشر سنوات في كل ساعة فالناقد العربي يسمي تلك عند ماركيز ب¯ (واقعية سحرية) وعند سليم بركات ب¯ ورم وشرخ لغوي ) ويأتي الامر ملتبسا على ناقد بركات بالاضافة طبعا لجهل الناقدنفسه بمجاهل لغته العربية (التي هي ليست من روح سليم بركات ) كما يرى الاستاذ عبد المولى. في الوقت الذي يتعامل سليم بركات ومنذ بداياته مع اللغة العربية كما يتعامل الصائغ مع السبيكة السائلة بين يديه , واللغة العربية لسليم بركات هي العجينة الطيعة التي يولفها ويؤلفها بمشيئة المقتدر المشبع من تراث تجاهله أهلوه ولايزالون وعندما لم يجد سليم حريته الا في اللغة العربية فقد امسك بها بكلتا يديه فلم تفلت منه وجاء بها جديدة حارة ليرميهابين يدي صاحبها ( الاصلي) لهذا على من يحاول ان يقرأ سليم بركات عليه وقبل كل شيء ان يعرف عمن وعم يكتب الرجل وكيف وبأي عين يرى مما حوله من طبائع وبشر يبدون غرائبيين مهلوسين لمن لا يعرف المكان فالمكان سلطة سليم بركات وليست اللغة وان بدت اللغة غريبة في بنيتها وتركيبها الذي يستوحيه بركات من اللغة الجذر, وليس من لغة الصحافة اليومية ومفردات النقد الانشائية الباهتة وهو بذلك يعيد للغة العربية ممكنها الاجدر لتكون تلك اللغة التي كتب بها امرؤ القيس وزهيربن ابي سلمى وابو تمام وحتى ابن جني والجاحظ وهذه خصلة يتصف بها على الاغلب من يتعلم لغة هي غير لغته الام , لأنه يتعامل معها بحساسية العاشق الذي يقترب من حبيبة قد تتمنع لغربة بينهما , فيجاهد العاشق بمحاولة الاثبات بأنه أهل لها , وسليم نجح في ذلك تماما وان بدا غرائبيا لبعض من يظن بأنه احق بالوصول لتلك الحبيبة دون تعب ما دامت من ( اصوله ) وما دام ينظر الى اللغة من منطلق ا نها له ولا يحتاج لاثبات ذلك ومن حقه ان يرفع المنصوب وينصب المجرور فهو صاحبها القح ومالكها الحصري ومسجلة باسمه (وعلى اساس انه يمون ومن اهل الدار مو غريب ومعليش). فما يراه الناقد ( شرخا لغويا ) او ورما يتأتى من جهله لأقدار سليم بركات فأقداره الغرائبية هي غموضه وليست جمله. وفي مكان آخريفجر الناقد عبد المولى قنبلته الاكتشافية الاكثر ظرافة حين يقول: ومع كل الجاذبية في هذا النثر ( يقصد نثر سليم بركات) والاغواء فانها جاذبية مرهونة غالبا بزوال لحظة القراءة وربما كان هذا من اهداف بركات نفسها من يدري. عملت ست سنوات في دراسة ادب سليم بركات بالمشاركة مع المستشرقة الدكتورة بورغي روس وانهينا عملنا قبل ثماني سنوات وجاذبية ذاك الادب لم تنطفئ داخلي حتى اليوم ولا اظن بأنها ستزول بعد ثماني سنوات أخرى, ( هذا اذا ما تحدثنا عن الجاذبيات والاثر النفسي وبعيدا عن المصطلحات النقدية ). اما تحليلات الناقد عبد المولى النفسية لسليم بركات فتلك من ( نهفات) النقد وفلتات ازمان اذ يقول ببساطة ولكن بحرج خجول: ولا ندري مدى اقترابنا من الصواب اذا اعتبرنا حالة سليم بركات عبارة عن شعور نفسي بالجرح والشرخ اللغوي اذا ما امكن لنا ان نعبر, ما يحيرني في البداية ان الرجل ( عبد المولى ) يتحدث بلغة الجمع( ندري اعتبرنا .. اقترابنا ..نعبر..) الواقع لا افهم تماما من ( هم ) هؤلاء الذين يتحدث باسمهم ? وتاليا ان ما يجعلني اكثر ضياعا وحيرة هو استخدامه لمفردات من مثل (الشرخ اللغوي) والجرح النفسي .. التضخم اللغوي..الورم اللغوي .. الخ .. ! وما اعرفه شخصيا عن الشاعر سليم بركات انه اكثر المتوازنين نفسيا ولغويا من بين آلاف الشعراء والكتاب, ولا يزال يتدرب على رفع ا لاثقال والحديد , وصحته( زي الحصان) لا اورام خبيثة ولا جرحاً نفسياً ولا شرخاً انتربولوجياً ولا لغوياً ولا هم يحزنون . معضلة الشاعر سليم بركات بالنسبة لقراء من مثل عبد المولى انهم لا يدركون كنه التعبير اللغوي عند سليم بركات فبركات لا يساوم في تدابير اللغة ليعرض النص على صفحات السذاجة الزخرفية التي تربى عليها كتبة النقد المدرسي والجامعي الذين درسوا اربع سنوات في الجامعة وتخرجوا منها ليعلنوا انفسهم اباطرة للنقد ولم يحمل بركات نصوصه فخاخا للمعنى والقراءة على طبيعتها امتحانا للطرفين وحين يسقط القارئ من سلم المعنى الاكثر جسارة وقوة فمن السهولة ان يرمي المؤلف بحجر الغموض واللغز الذي لم ينفتح لذهنية تربت على ثقافة التلفزيون والصفحات الاخيرة في الجرائد المحلية وتشبعت مخيلاتهم بأشعار الحماسة والفخر بالامجاد . ان الاختلافات القومية والحضارية في اي بلد هي من دواعي الفخر والاعتزاز لهذه الدولة او تلك اذا ما اخذت الامور بحسها الانساني وبعدها الاخلاقي وفي سورية هناك الكثير من القامات الكردية المبدعة في المجالات الثقافية والفنية والتشكيلية استطاعت ان تحفر اسماءها بقوة في مسيرة الابداع العالمي من بشار العيسي وعمر حمدي وعنايت عطار وسليم بركات وزهيرحسيب وآخرين كثر بالاضافة الى الكثيرين من الممثلين والفنانين كل هؤلاء انما يرفدون ثقافة هذا البلد ويأتي تميزهم اساسا لأنهم تشبعوا بثقافتين هي العربية والكردية ولم تكن اللغة العربية في يوم ما لأي منا سببا لنصاب بتورمات وعاهات . في طريقة ابداعنا وحتى في التاريخ القديم كان للاكراد الذين كتبوا بالعربية الشأن الواسع والمهم في الثقافة العربية من ابن كثير وكامله في التاريخ وحتى احمد شوقي والزهاوي وبلند الحيدري وغيرهم ممن لا يتسع المجال لحصرهم. ها هنا اختار قليلا من كتابات سليم بركات (المصاب بشرخ لغوي كما يرى الناقد) وليجرب القارئ ان كان سينسى على الفور ما قرأه بعد الانتهاء من القراءة. الغسالة: دورة استعادة الثياب انفاسها بعد اغماء طويل فوق الاجساد . المظلة: انت مسلية ايتها المظلة : عش مقلوب, آدميون طيوريرقدون على بيض الظل. المنفضة: عقل الرماد شجرة: هي شجرة خوخ تظن نفسها شجرة تين. اصغ اليها في حذر لأنها خجولة . الجبل : سحابة يعرف البعيد كيف يستميلها بحلوى الحجر. الندم: خصائص القوة في بلوغها مرتبة الجهل . لا فائدة: كلما خرج الاعمى الى الشارع تعثر به النهار. اخترت هذه المقاطع بشكل عشوائي, لعل الاستاذ عبد المولى يعدل عن فكرة الشرخ اللغوي, ويتعرف على سليم بركات ونصوصه كما هي , بعيد اعن مقاسات تتقاطع مع عنصرية لا اعتقد بأن الاستاذ عبد المولى يحبذها , وهي دعوة بالتالي للاطلاع على ثقافة مغايرة تكتب بلغة القارئ دون ان تترجم من لغة اخرى بل من احاسيس اخرى وطبائع مختلفة موجودة هنا , عندنا ولم تأت الينا من الصين او كولومبيا عن طريق الترجمة.
|