تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العرب... لحظة الاستفاقة على قوانين الصراع

شؤون سياسية
الأربعاء 8-9-2010م
بقلم: د. أحمد الحاج علي

تراجع المشروع الصهيوني على مدى العقود الثلاثة الماضية، بل انكشفت حقيقته وتلاشت تلك الأوهام التي اعتمدها الحلم التوراتي أساساً سياسياً وعسكرياً وحضارياً للتمدد في المنطقة والسيطرة على كل ما فيها من أرض وثروة وتاريخ ودور حضاري

لكن الغريب في الأمر أن تراجع المشروع الصهيوني لم يترافق بتراجع قواه المؤيدة ولاسيما في الغرب ولم يتنبه الكثير من العرب إلى أن هذا التراجع له صيغه وأسبابه وله تداعياته التي يجب ألا تغيب عن الوجدان ولا تفلت من اليد كأنما القاعدة الكبرى هنا تقوم على نقطتين متكاملتين احداهما تؤكد أن كل ما بني على الباطل لابد أن ينكمش ويتآكل ثم يزول ولاسيما حينما يتسلل هذا الباطل من خارج سياق التاريخ ومنطقه أو حينما يكون خلاصة لأحقاد وأوهام تتذرع بالادعاءات التاريخية وتختلق للفعل السياسي بنية ايديولوجية خادعة يتم الترويج لها بدقة وعناية وباستثمار لئيم لوضع العرب وحالهم التاريخي ولاسيما مع مجريات النصف الأول من القرن العشرين، وتفرض النقطة الثانية قوامها الفكري والنضالي حيث لا يعقل أن يكون التراجع في المشروع الصهيوني مجرد تآكل أو تقادم في العهد أو تناقضات داخلية ذاتية فحسب، هنا لابد من إبراز دور المواجهة الشعبية العربية والتاريخية العربية والمصيرية العربية ذلك عنصر مهم في الاستدلال على حقيقة ما أصاب المشروع الصهيوني من تآكل وانكماش وتراجع، ونعترف بدرجة عالية من الوجدان أن عنصر المواجهة العربية لم يكن في أحسن حالاته ولكنه بقي متمسكاً بالثوابت محافظاً إلى درجة حيوية على ضرورة التصدي للعدوان والعدو الصهيوني.‏

ويجدر بنا تطبيقاً لذلك أن نحدد العناوين والملامح الأهم في تراجع المشروع الصهيوني لأن المعيار المجدي والعقلاني إنما يشتمل على مقياسين، أن نقيس واقع الصهيونية الآن بالحلم القديم الذي غذاها وتغذت منه وعندها نكتشف مدى التهتك والتراجع الذي أصاب المشروع الصهيوني بل الحلم الصهيوني كله، والمقياس الثاني هو أن نستدرك مباشرة أن الصهيونية بكل آفاقها المريضة والمتراجعة مازالت تمارس دوراً وتطرح فكراً وترسم سياسات وتستكمل عناصر قوتها العسكرية والاقتصادية والايديولوجية ثم إن الكيان الصهيوني عبر الدولة المزعومة لايزال يستثمر حالة الضعف العربي إلى أبعد حد ومازال يمتلك القدرة على الحركة والتحرك عبر عواصم العالم الأقوى.‏

إن كثيرين الآن يراهنون على أن الطريق مسدود أمام العرب، والدهشة تعقد اللسان إذ كيف يمكن لهذا الاستنتاج أن يطرح ذاته في ظرف صار يتراجع المشروع الصهيوني حقيقة واضحة للعيان وقاعدة يتبناها اليهود أنفسهم، ومن هنا لابد من التذكير بالعناوين التالية في هذا السياق وذلك على سبيل الذكرى فقد تنفع الذكرى المؤمنين.‏

كان المشروع الصهيوني يقوم على الحلم التوراتي التاريخي أي إن الوطن العربي ما بين النيل والنهر الكبير (الفرات) هو ملك لليهود وإن كل المجموعات العربية البشرية هنا مجرد حرّاثين وقوة عمل بمدلولات العصر ليس أكثر وكان الكيان الصهيوني يشتغل على هذا الأساس، الآن أصبح هذا الحلم مجرد خيالات ممروضة ومجرد أوهام تضمها الأجداث وقد أصابها التعفن وفقدت دافعها واكتشفت أنها أوهام قاتلة في أساسها وما من أحد وما من أمة في التاريخ كله مارس هذا الدور إلا وسقط عند الأسوار واستسلم مكللاً بالخزي والعار.‏

كانت البنية الاستراتيجية العسكرية والثقافية تقوم على أساس محدد هو أن قوة «اسرائيل» لا تقهر أبداً ولذا يجب ألا تقاوم من قبل العرب أبداً واستمرأ الصهاينة هذا المبدأ وزين لهم الواقع السلبي جوانب هذا التأويل وفيه بنيت خيارات ووقائع وتحولات أغرق الصهاينة عبرها بالحلم ولم ينتبهوا إلى أن الصراع مع الأمم الحية ليس جولة فحسب وليس مظهراً في فترة محدودة فحسب إنه سياق تاريخي فالأمة الحية كالعرب تتمثل النكسة لتحيلها إلى صحوة وحراك واندفاع وثوابت اليقين بأن الأمة العربية ليست فانية أمام همجية الصهيونية وعدوان آلتها العسكرية، الآن ندرك أن «اسرائيل» تحسب ألف حساب لمعركة محدودة في الزمان والمكان والوسائط مع المقاومة في جنوب لبنان أو في فلسطين، صارت الحالة العسكرية مصدر رعب لليهود بعد أن كانت هذه الحالة مصدر جنون العظمة لليهود ذاتهم، إن من حقنا أن نمعن النظر والفكر في هذه الفجوة القائمة عند العدو الصهيوني ما بين قوة لا تقهر وقوة تخشى مجرد المبادرة الآثمة.‏

تبقى هذه النقطة الثالثة وهي أن الحق ساطع والشعب واسع في الحياة العربية ولا أهمية كبرى لتخبط الرؤى ودخول السلبيات وتناقض السياسات في الداخل العربي، إن الحديث هنا عن ذاكرة عربية تتوقد وتتبلور ولم يستطع الزمن القاسي والمتطاول أن يستبدل الذاكرة أو أن يزور اشعاعها أو أن يلغي منها جوانب وجوانب فعل اليهود الكثير على مدى أكثر من ستين عاماً قتلوا ودمروا ونفذوا المجازر الرهيبة وصار لهم عند العرب أكثر من (هولوكست) وأخذت سياسات الصهاينة بعين الاعتبار ترهل الموقف العربي واختراقات الصلح مع «إسرائيل» وظهور الكثير من المتهافتين على الحلول والساقطين أمام اغراءات الذات المتصاغرة واستعان اليهود بواقع العالم كله ولاسيما الغرب منه بشقيه الأوروبي والأميركي، وتراءى لهم أن الموقف العربي قد انتهى أمره وأن حلمهم الصهيوني قد جاء دوره وهكذا كان الانبعاث العربي في القاعدة الشعبية في الفكر والذاكرة والقيم والمقاومة كان ذلك كله يقدم للصراع دروساً لا تنضب ولا تنسى، كل شيء مازال حياً وقوانين الصراع مع الصهيونية تعمقت أكثر وأما ما يظهر على السطح من استسلام وهوان فهو زبد يذهب جفاء وما يستقر هو الحق والحقيقة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية