وبشهادة المشاهد وقبله المخرج صاحب (مهنة التفاصيل) والذي عليه أن يتقن كيفية تفصيل الدور على مقاسِ الشخصية.
من هنا, فالجهد الذي يبذله مخرج قد يختلف عن الجهد الذي يبذله آخر, لطالما ما يتطلَّبه عمل يُصوَّر في بقعة أو مدينة واحدة وبعددٍ قليل من الأشخاص, يختلف عن ذاك الذي تتعدَّد فيه الأمكنة والشخصيات والأزمنة, وبما يجعل الجهد الذي يحتاجه العمل الاجتماعي يختلف عما يتطلَّبه العمل الكوميدي أو التراثي أو التاريخي, ومن حيث اختيار الشخصيات والملابس والإكسسوارات وأيضاً مناطق التصوير وما يتمُّ فيها من تعديلاتٍ ولقطاتٍ وإضاءةٍ لابدَّ من أن تتدرَّج شدّتها وحسب ما يراه المخرج مناسباً للمشهد ولما يرافقه من موسيقا تصويرية, وهو ما نلاحظه في (كليوباترا) حيث الجهد المبذول في إخراجه كبير.
العمل من إخراج (وائل رمضان) الذي أثبت وكغيره من الفنانين الذين باتوا مخرجين, بأن فضاء الفن يتَّسع لإطلاق العديد من المواهب, وبالتصميم والخبرة والرؤية الفنية, وبما جعله ورغم ندرة أعماله, يقدِّم في هذا العمل ما يستحقُّ أن ينال عليه شهادة الجرأة الإخراجية.
(رمضان) الذي استطاع في العام الماضي وفي (آخر أيام الحب) أن ينتقل بنا من محافظة إلى مدينة, ومن البر إلى البحر إلى الحارات الشعبية, استطاع هذا العام وفي (كليوباترا) أن يخطفنا إلى ماقبل الميلاد حيث البطالمة والرومانين, وبتراثهم وعاداتهم وكنوزهم وطقوسهم وحروبهم ومعابدهم ومتاحفهم ومدارسهم. إنه زمن (كليوباترا). الأميرة المصرية التي أخضعت الرومان بدهائها وبسعيها للحصولٍ على أمجادٍ ترويها حنكتها وعلى مرِّ عصرها والعصور الآتية.
إذاً, ألا يتطلَّب تجسيد شخصية أميرة بحجم ذلك الزمن, وبما فيه من صعوبة في اختيار الإكسسوارات والملابس, وسواء لها أم لوصيفاتها وجندها وحاشيتها وأعدائها, الكثير من الجهد؟.. بالتأكيد يتطلَّب بالإضافة إلى ضرورة امتلاك المهارة في طريقة الانتقال من القصر إلى ساحة المعركة, ومن الهزيمة إلى النصر, ومن مكان إلى زمانٍ, يحتاج التنقيب عن تفاصيل ما كان فيهما إلى دقةٍ بالغة الوقت والجهد, وباستخدام الكثير من الخدع والابتكارات التصويرية, ومابين مشهدٍ ومعبدٍ واحتفالاتٍ ولقطاتٍ تختار ما من المُفترض أن يُشعر المشاهد بأنه وكأنه, يعيش تلك الحقبة التاريخية.
بعد هذا, أليس من الجدير بنا أن نعترف, بأن (وائل رمضان) قد جاهد لإلباس كل فنان ما يليق به, وسواء كان مصرياً أم لبنانياً أم سورياً لطالما هو من اختارهم وبيقين الفن الذي ومثلما جعل (يوسف شعبان) هو (بطليموس) الأب, جعل (محيي إسماعيل) هو (يوليوس قيصر) وأيضاً (سلاف فواخرجي) هي (كليوباترا الفن) وباختلاف بطولاتها الأدائية.
أخيراً, وبغضِّ النظر عن الهفوات التي ورغم استغلال البعض لوجودها في العمل ومسارعتهم لنعته بعدم الدقة وبوجود الكثير من الخلل, نقول: هنيئاً ل (وائل رمضان) اجتهاده وقدرته على اختيار شخصياته وعلى تحريكِ الكاميرا بطريقة لافتة.