التحدّي
هذا العام ..
خوضها إخراجاً لعملين يُعرضان حالياً ( تخت شرقي، أسعد الوراق) وإن كان الثاني يُحسب على نوعٍ روائي متلفــز، لا يغيـــب عن بالها ضرورة الإتيان بالمختلف والمغايــر .
نقطة تفطن وتتنبّه لها رشا شربتجي .. لا تعتبر الحالة من قبيل الوفرة – شغل ماشي وبس – بمقدار ما تنظر إليه امتحاناً لفنيات وخيارات وخبرات المخرج .
كمتلقٍ يدقق بملامح الصورة المشغولة من تحت يدي رشا في المسلسلين أن تلاحظ الفرق في طريقة التعاطي مع عين الكاميرا ، نقلات الكاميرا ، أسلوب التقطيع ، وإيقاع العمل ككل .
طبيعي جداً ..
أن يفرض كل عمل خصوصياته، التي لا بد للمخرج أن ينقّب عنها ويبرزها، وصولاً لحالة تمايز ، وهو ما تفعله شربتجي ..
بصرياً .. هناك فارق ملحوظ بين العملين . الصورة في ( تخت شرقي ) تبدو فاقعة الألوان .. تتناقض أحياناً هذه الألوان .. هل كان ذلك خياراً إخراجياً تعبيراً عن أهواء الشخصيات المتناقضة ..هل يأتي مؤشراً أول لجرّ العمل لتلوّنات الحياة المعاصرة ، لطزاجة اللحظة المبثوثة ، وتباين طريقة تعاطي كلّ منا معها ..؟
في حين تهدأ ألوان الصورة ، تخف درجة حرارتها أكثر في ( أسعد الوراق ) . إيقاع العيش في ذاك الزمن لم يكن كما الآن ولهذا تأتي الألوان أهدأ ، تنسحب نحو درجات أفتح .
مصاحبة الكاميرا ..
تبدو كذلك مختلفة .. تتقصّد شربتجي تقديم مقترح فني جديد في ( تخت شرقي ) على صعيد نقلات الكاميرا وحركتها .. غالباً ما يتم تقريب الصورة نحو شخوصها فجأةً وفق ( زومات ) تجعلك لا شعورياً تقترب من حوار الشخصيات أكثر ..
بينما تبتعد في المسلسل الآخر عن هذه ( الزومات ) . الكاميرا لا تبقى ساكنة ، ولكن حركتها تختلف .. تتحرّك وكما لو أنها ترافق جريان الحوارات وانكشاف الأحداث .. تتحرّك على التوازي من الشخصيات .. وفق انسحاب أفقي .
ومرّة أخرى ..
تطرّز شربتجي رغبة التحدي لديها بشكل آخر ، عبر اختيارها ( غالباً ) لذات أسماء .
نظرة سطحية لربما جعلت البعض يعتبر ذلك من باب الاطمئنان ( لشلة فنية ) واحدة .. وال0حقيقة ولو كان الأمر يشتمل على شيء من هذا ، إلا أن فيه صعوبة ورغبة بمقارعة ذات الإمكانيات والأدوات لدى الممثل نفسه أكثر من مرّة خلقاً لحالات جديدة ،و وجوه عديدة له عينه .. تشتغل رشا صقلاً لأدائه وتطويراً لأدواته .
في ( أسعد الوراق وتخت شرقي ) تتكرر أسماء : مكسيم خليل ، محمد حداقي ، مها المصري ، محمد قنوع ، غادة بشور ، رنا شميس .. وربما أكثر ..
تجتهد المخرجة معهم إيجاداً وتحريضاً لاكتشاف ( كاركترات ) تتمايز ما بين العملين ..
بالطبع يأتي الاعتماد أولاً على ( النص ) على رسم الشخصيات فيه ، دون نسيان إضافات مخرجة مجتهدة كما رشا تسعى إلى إصابة هدف التنوّع .. والخوض في مناطق اليومي الهامشي المنسي .. الانكشاف أكثر نحو التفاصيل المغرقة في واقعيتها ، كما في ( تخت شرقي ) .. إذ لن تهتم لسير الأحداث ومصائر الشخصيات بمقدار ما تتلهف الاستماع لمفارقات ومواقف وتعليقات تصدر عن أبطالها.. اقتناص الهارب غير الملحوظ منطقة تميّز كاميرا رشا شربتجي .. تدعّمه بخيارات نصيّة تشبع لها حالة الجوع الفني هذه .