تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معرض استعادي للفنان " ميشيل كرشة " في المتحف الوطني بدمشق: حوارية الوفاء والفن وأصالة الانتماء

ملحق ثقافي
7/3/2006م
عبد الله أبو راشد

أتحف رواد الفن التشكيلي السوري ومحبيه بالمعرض الفني التشكيلي الجامع لمُنتجات الفنان التشكيلي السوري الراحل “ميشيل كرشة” المُقام بصالة العرض المخصصة للفنون التشكيلية من الطابق الأول للمتحف الوطني بمدينة دمشق، وذلك مساء يوم 27 شباط 2006 ويستمر لمدة شهر من تاريخه.

أقل ما يُقال في المعرض «الاستعادي» للفنان التشكيلي السوري الراحل «ميشيل كرشة» بأنه لافتة حضارية كريمة ونقلة نوعية في مساحة الوفاء والوجدان لعائلته التي حفظت هذه الثروة الوطنية والقومية من الضياع، وقدمتها في صورة جمالية راقية تليق بمقامه ودوره التاريخي في ولادة الفن التشكيل السوري، كمؤسس لبواكير النهوض بالحركة الفنية التشكيلية بالاتجاهات الصحيحة والمعمدة بالخبرة والدربة والرغبة الصادقة في إنجاز ما يستحق الاهتمام والمتابعة في مسارات الفن التشكيلي السوري المُعاصر.‏

من موقعه كفنان موهوب ومدرس أكاديمي وتربوي يفيض حيوية وإنسانية ومحبة لوطنه ومواطنيه وفنه ومدرسة فنية شكلت مرجعية بصرية وثقافية ومُختبر عملي لكافة الدارسين على يديه في معابر التعليم المختلفة. الذين تخرجوا من واحة فنه وخبرته ورعايته وهُم كُثر شكلوا نخبة مُميزة من الفنانين التشكيلين السوريين الذين حملوا لواء الحداثة التعبيرية في مدارسها الفنية المختلفة، وخرجوا من عباءة تعبيريته وواقعيته الموحية والمثيرة للدهشة والمتعة البصرية الفاعلة والتي تدفعك بحركة لا شعورية إلى التمني لعودة الزمن قليلاً إلى الوراء والرغبة الجامحة في إعادة الجلوس مُجدداً على مقاعد دراسة الفنون الجميلة التصويرية المتوالدة من واحة الفنان «ميشيل كرشة» في لوحاته المفتوحة على القراءة المستديمة والممتعة، من كونها واحة مُشاهدة مُريحة،‏

ومنهجاً ومدرسة فنية متميزة لفنان شامل امتلك كل مقومات الفن والموهبة والخبرة والتواصل البصري والإنساني ويستحق لقب «أستاذ» أكاديمي ومهني عن جدارة، وحري بالمؤسسات الثقافية في الحكومة والدولة أن تحتضن هذا الكم الهائل في مُتحف خاص كنوع من التكريم الحضاري، اعتباره من العناوين السورية التي تليق بمقام سورية وتاريخها العريق، كفنان جدير بمساحة من التذكر والتخليد. المعرض في مضامينه الشكلية ومعالجته التقنية والمحتوى الموضوعي، والغزارة العددية لمجموع لوحاته متنوعة المقاييس والتقنيات والمتناسلة من واحة فن التصوير الزيتي والملون، تُشير بما لا يقطعه الشك بأننا أمام فنان تشكيلي سوري «عملاق» يمتلك كل مقومات إنتاج الفن التشكيلي الخالد، ولا يقل موهبة وخبرة ومكانة عن سائر الفنانين العظام في العالم لاسيما الذين عرفتهم المعمورة ما قبل عصر النهضة الإيطالية وما أعقبها من مدارس فنية واتجاهات وتيارات، ويعُد الفنان «كرشة» باقتدار فني وتقني رائد الفن لتشكيلي السوري بلا منازع، وأحد الأعمدة الفنية والمرجعيات الأساسية التي قدمت الفن والفنانين التشكيليين السوريين لاسيما الدارسين على يديه في أجمل صورة وحلة تعبيرية، شكلت الاتجاهات التعبيرية والانطباعية خصوصاً المعابر الرئيسة في إبراز مفاتن نصوصه البصرية، والتي درج عليها الفنانون الذين عايشوه وتتلمذوا على يديه. سورية في مآثرها التاريخية طبيعتها الجميلة عموماً ومدينة دمشق القديمة على وجه الخصوص حاضرة في كافة أعماله في شخوصها وناسها في سويعات صحوتها ونشاطها وحركة شوارعها المزدحمة بالعابرين والعاملين، وأسواقها المشرعة على الوجد والمحبة ولحظات الأمل، وحدائقها وغوطتها العامرة بكل ما يطيب للعين من نظر وتأمل بصري، تُبرز مفاعيل الإحساس الواضح بالوطن والمواطنة عبِر رسوم ولوحات حافلة بالمواقف التعبيرية المقصية لكلاسيكية اللقطة السياحية، بل مؤثرة لمساحة الابتكار الفني والتي تسعى لإبراز ملامس سطوحه الواقعية بتعبيرية تفوح منا أنفاس الانطباعية. انطباعية الفنان ذاته في خصوصية متفردة جامعة لأساليب معالجته التصويرية لمفرداته ومساحة أفكاره، وطريقته الخاصة في رصف خطوطه وملوناته والمكحلة بأشعة الشمس العربية ودائرة الألوان الشاملة لكافة أطياف المشرق العربي في بهاء طلعته وصفوته وفطرته ومكوناته. لوحات مُمجدة للإنسان في لوحات تصويرية من نوع «بورتريه» وأخرى للطبيعة الخلوية المستحضرة لأماكن الجمال والمتعة الحسية في مرابع سوريا التاريخية ومآثرها وأوابدها الأثرية، وكذلك الأمر بالنسبة لأسواقها وحواريها والبيوت الدمشقية القديمة ومناظر الطبيعة الصامتة فيها، لوحات يصدق فيها مقولة اجتماع الفن على واحة الكمال والجمال، واستنهاض جماليات الطبيعة والإنسان والخلق ومكانة الماء والخضرة والوطن والوجوه الحسنة. معرض لا تكفي فيه المشاهدة العابرة بل المشاهدة المقصودة والمُعمقة عدة مرات، لمعرض أثار فينا صحوة وأعاد للفنان التشكيلي صلته برواده وتاريخه وخصوصيته وأمله في مواجهة مُنتجات الفن التشكيلي الهابط المتوالد من رحم تجارة السوق ومسالك الفنون الوافدة العدمية العولمية، معرض جدير بالمشاهدة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية