التشكيلي ناصر زين الدين أغنية اللون المسافر بين المدن
ملحق ثقافي 7/3/2006م جمــــال العــــباس من هذه الأسماء المصور ناصر زين الدين الذي يعمل في دولة الإمارات العربية أستاذاً متعاقداً لمادة التربية الفنية منذ أكثر من اثني عشر عاماً،
أنجز خلالها عشرات اللوحات الزيتية والمائية، ويشارك في بعض المعارض الجماعية والخاصة في سورية ولبنان والإمارات كان آخرها في ثقافي السويداء من العام المنصرم 2005 حيث عرض 31 عملاً زيتياً و4 أعمال بالباستيل الطبشوري كانت كافية لقراءة متأنية تستوعب التجربة بجذورها ومساراتها والتحولات التي رافقتها، وبالتالي محمولها ومردودها القيمي والجمالي.
وكأي فنان توفرت فيه شروط صفته غالباً ما تكون خياراته في المفردات والتعبير مرتبطة بالإنسان أو الإنسان نفسه كشكل مميز، ووجود، تتجسد فيه كل الانعكاسات الحياتية أو ما يرتبط بها... ولعل هذا الخيار مرتبط بالرسم الذي يحتاجه الفنان وتتطلبه بنية العمل وأساسياته لذلك لم يكن مستغرباً أن تنزع أعماله الأولى صوب هذا التوجه وتنهل منه بالقدر الذي يؤمن لها إبحاراً سليماً في عمق هذا الإنسان وشواغله.. بمعنى أن هذا الإنسان لم يكن امتحاناً ينحصر في سلامة الرسم والتشريح بقدر ما كان تأملاً لعوالم تفترش هذا الإنسان وتتحرك في داخله حاملة لإشارات أو إضاءات أو شحنات ترصدها عين الفنان، وتستقبل طلائعها لتصوغها بالحالة التي تحقق القناعة والرضى، وتؤكد سلامة الولادة وجدواها فالإنسان في أعماله حمل الحلم الأخضر الذي زرع فيه كل غراس يورق في شباب يبحث عن ضالته، فالصورة في اللوحة تحمل الإنسان كبطل قادر على استقطاب ما يلزمه من أدوات ومفردات ترسم خطاه وتسوغ مؤثراته، وقادر على كشف حقائق الشكل ومدلولاته عارياً أو مكتسياً.. المهم أنه يتحرك بلغة لونية مركبة في فضاء اللوحة أو على كامل مساحتها في طرح يغري بالولوج إلى ما خلف الظاهر بتأثيرهذا الظاهر وتداعياته تكويناً ولوناً. في أعماله الحالية نقف أمام إيقاع متمور يقترب منا ويبتعد في حركة متكررة ترسي صداها النفسي بمقاربة تشبه صاحبها، وكل مسافر مثله بين المدن الخضراء والمدن وسط الصحراء، بين سيطرة اللون الأخضر ومشتقاته حيناً وألوان الصحراء وتدرجاتها (الترابي والترابي المصفر) حيناً آخر.. كل ذلك بتعبيرية صادقة وتوافقية تمكن فيها الفنان من توظيف توجهاته الأولى والتي فيها يشكل الإنسان هاجساً في شكله وأنفاسه إلى مرحلة أخرى صارت بفعل الاستمرارية مجاله الحيوي ومركز التوثب لمدارات قادمة رغم قلق التنقل بين المدن وأسفار المفردات والألوان، لكنه قلق مغمس بالحلم والأمل. وفي أعمال أخرى للفنان وبنفس المرحلة تنفلت الضوابط اللونية وخاصة بين ا لكتلة العامة في اللوحة وهي المدينة وفضائها السماوي بتشابك لوني بين الأزرق والترابي أو الأخضر والأصفر المعتق بالبني فتنهض رماديات مركبة- ضبابية- من ذات الألوان تحدث فواصل على هيئة جزر لونية مضاءة تغطي كامل اللوحة، بمعنى أن السماء ما زالت تشكل فضاء اللوحة ولكنها دخلت في تشاركية مع كتلة المدينة التي أفصحت عما في داخلها.. إننا نستطيع في هذه الأعمال أن نتخيل الكثير و الكثير من العناصر الحياتية وقد طغت على جدران المدينة بايماءات مؤثرة أشبه بالمنمنمات كالأشخاص والأشجار والأزهار وغيرها تقع جميعها على مدرج موسيقي واحد يزخر بعلاماته وغنى ألحانه. لكن الفنان وهو يحا فظ على نهجه هذا وتسكنه المدينة باختلاف مواقعها حباً بها بالقلق أو الأمل والحلم فإنه في بعض الحالات ينتحي بأحد موجوداتها وهو الإنسان يسترق السمع إليه أو يبثه مباشرة فتحفل لوحته برجل أو امرأة أو امرأة ورجل يشغل كل منهما أوكلاهما معاً كامل اللوحة بمساحات لونية عريضة وقاطعة لاتخلو من عفوية مرتجفة تظهر فيها المساحة اللونية وكأنها مستقلة عن عداها دون امتزاج لوني قائم على الاشتقاق والتدرج ودون خطوة فصل حادة ورئيسية في الغالب كما أن هذه الأعمال لا تخلو من نفحات تشير إلى تأثر الفنان ببعض الاتجاهات الفنية المعروفة أو بعض الفنانين الأوروبيين مثل غوغان رغم ا لخصوصية الظاهرة بالمعاناة والتجربة وهي الأعمال التي أعتقد أن الفنان يبدو فيها أكثر قلقاً لا يهدأ إلا عندما يعود ثانية إلى المدينة المغلقة أو المفتوحة سواء في مدينته الأصل أو المدينة التي تستضيف، إنه وبهذه العودة تبقى مفاتيح المدينتين بحوزته وكذلك الحلم الذي قد يذهب به بعيداً بعيداً حيث هناك هدوء نتلمسه في أجواء نسيجه العام بلقطات مختارة بتصرف من الطبيعة العامة أو عناصر منها كالأزهار وغيرها تفترش اللوحة بكل الاتجاهات وبذات الخيارات اللونية السابقة وتقنية طرحها وبإضاءات أكثر سطوعاً إما باللون نفسه أو بالأبيض المباشر. لاشك أن تجربة ناصر زين الدين في التصوير خاصة الزيتي الأكثر ميلاً بل وحضوراً في أعماله قد خطت له معالم طريق يسلكه معزز بتراكم التجربة باللون والكلمة فهو فنان تشكيلي وشاعر له أكثر من ديوان شعر .. تجربة تستحق الوقوف عندها ودراستها.. إنها حبلى بكل الاحتمالات.
|