تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأرقــــــش والغجــــرية حلـــــــقة 8

ملحق ثقافي
7/3/2006م
حـنــــــــــا مينــــــــه

التأمت هيئة المحكمة، الصياد أكرم للرئاسة، الصيادان رفعت دنش وبهجت سحسح مستشاران، دندنة في الإدعاء، الصياد مناور في الدفاع، المتهمون في قفص الاتهام، الحراسة برئاسة قمطرة، وكل متهم له حق تمسية شهود النفي، وللإدعاء تسمية شهود الإثبات، وقبل أن تبدأ المحكمة أعمالها، برز الأرقش بين الصفوف، مستأذناً رئيس المحكمة أن يسمح له بكلمات قليلة، يعبر فيها عن قضية مهمة.

استهل الأرقش كلامه قائلاً: - قبضنا، أخيراً على الذئب الأسود. أطلق بعض الصيادين الرصاص في الهواء فرحاً، زغردت بعض النساء من الصيادات سرت موجة من الهمهمة بين الحاضرين، تلفت الحاضرون جميعاً نحو قوس المحكمة، ارتبك الرئيس أكرم، اعتقاداً منه أن القضية انتهت، وأن المحاكمة لم تعد واردة، وكاد ينهض من مكانه حين أشار له الأرقش، مستمهلاً إياه البقاء، إلى أن يفرغ مما يريد أن يقول، وجاءت قمطرة بوجه عبوس، إلى أن توسطت الباحة، متصالبة اليدين، متجنبة النظر إلى الأرقش، الذي خيل إليها أنه يقوم بتمثيلية لإنقاذ رئيفة من حكم الإعدام! قال الأرقش بصوت قوي، راعد النبرة: - يا أخوتي الصيادين والصيادات، يا أعزائي، يا أحبائي! العرف السائد، بعد النطق بالحكم، بشرف ونزاهة، أن ترفع الأحكام إلى المرجع المختص، الذي وحده له صلاحية تثبيت هذه الأحكام، أو إصدار العفو فيها، وأنا أرشح الحكيم بشير، بما له من أسبقية، من حكمة، أن يكون هو هذا المرجع، والقرار الذي يتخذه نافذ المفعول علينا جميعاً، فمن كان موافقاً منكم على هذا الاقتراح، يرفع يده إلى أعلى. رفعت الأكثرية يدها، ما عدا أقلية بينها قمطرة، التي قالت: - الحكيم بشير حكيمنا. وهو الأصلح بيننا ليكون المرجع الذي له الكلمة الأخيرة، في تثبيت الأحكام أو نقضها، أو التخفيف منها، شريطة أن تكون هذه الكلمة مقتصرة على أحكام الإعدام وحدها، ما دامت هذه المحكمة استثنائية، أي أنها مجلس عدلي، لا استئناف فيه ولا نقض.. وإني، إذا ما كان لي، كما لسائر الحاضرين هنا، حق الاتهام، فإنني اتهم الأرقش هذا الذي اتفق مع غيره ليلة أمس، على إصدار عفو عن المتهمة، المجرمة، رئيفة، التي تآمرت وحاولت الاغتيال، وخانت قضيتنا ومن يخون جزاؤه الإعدام رميا بالرصاص! ثارت ضجة بين الحاضرين، ودق رئيس المحكمة بمطرقته طالبا الهدوء، إلا أن صيحات تعالت مع الأرقش وضده وكادت زمام الأمور تفلت لولا أن شق الصفوف صياد يدفع أمامه رجلا مكتفا بالحبال قائلا بصوت جهور: - هذا هو الذئب الأسود. اشرأبت الأعناق من كل صوب لرؤية الرجل الذي قيل إنه الذئب الأسود وحاول بعضهم، مدفوعا بالحقد على هذا الذئب الذي قضى الأعوام بمطاردته إن يفتك به غير أن الأرقش صاح بالمحاولين: - ارفعوا أيديكم عنه وكل من يمسه بأذى كأنه يمسنا جميعا، إنه متهم إلا أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. صاحت قمطرة: - خيانة! هذه هي الخيانة، والأرقش الخائن يريد إنقاذ الخونة، لكنه لن يبلغ مرامه ما دمت حية، وموجودة هنا! نزلت دندنة عن قوس المحكمة، تقدمت من قمطرة بهدوء، وفجأة رنت ضعيفة تلتها أخرى وأخرى، وصاحت بها وهي تمسك بياقة فستانها: - اخرجي من هنا يا وغدة، والإ هرست رأسك بقدمي.. الأرقش لا يحمي الخونة، وليس هو بخائن، إنما يسعى لإقامة العدل، وما حقدك عليه إلا لأمر شائن، تعرفينه جيداً إذا رأيت وجهك بالمرآة! لكن الأرقش، الذي فطن إلى أمر ما كان يخطر له على بال، احتوى قمطرة بين ذراعيه، مكفكفاً دمعها، حانياً عليها، قائلاً لها «كوني عاقلة يا صديقتي العزيزة، وابقي بقربي، من غير تشويش على المحكمة». وقال رئيس المحكمة: - باسم الشعب العربي افتتح الجلسة، الكلمة لممثلة الإدعاء الزميلة دندنة. قالت دندنة: - سيدي الرئيس، السادة المستشارين، نحن أمام قضية مقضية، بعد أن وقع الذئب الأسود بين أيدينا، وهذا الذئب رجل كما ترون، وللرجل حق الدفاع عن نفسه، وهناك من يدافع عنه، إلا إذا رفض، وتعاون مع المحكمة، التي ترفع ميزان العدالة، لكننا سننظر، أولاً بقضية صقرش وقمطرة: فليتقدما إلى أمام القوس. تقدم صقرش مؤدياً التحية العسكرية دور مبرر، تمنعت قمطرة في البدء، نادى عليها المحضر للمرة الثانية، وبصوت أعلى، لكنها أصرت على التمنع، وعندئذ أخذ الأرقش بيدها، وأوقفها إلى جانب صقرش زوجها، فابتسم أكرم الرماح، رئيس المحكمة، وسألها قائلاً: - أنت السيدة قمطرة؟ الاسم والكنية وتاريخ الولادة ومقر الإقامة.. ردت قمطرة مصححة: - الآنسة قمطرة سيدي الرئيس! - كيف آنسة وزوجك صقرش إلى جانبك. - أقول لك آنسة والسلام، فإذا لم تصدق هات الداية لتتأكد. احتج صقرش: - هذا طعن برجولتي سيدي! - هل أنت واثق من رجولتك؟ - مثل ثقة قمطرة ! قالت دندنة: - اسمع يا صقرش، وأنت يا قمطرة، هنا محكمة وليس مكاناً للحزازير، متى كان زواجكما، وهل هو شرعي حسب الأصول؟ ردت قمطرة: - طبعاً شرعي، عند المأذون، وبحضور شاهدين هما الحكيم بشير والأرقش.. هل هذه حزورة؟ زجرها رئيس المحكمة: - تأدبي يا قمطرة، واشرحي لنا كل شيء، منذ عقد الزواج الشرعي، إلى ليلة الدخلة. - لم تكن الدنيا ليلاً بل نهاراً، ولم تكن هناك دخلة كما هي الأصول، تزوجنا وذهبنا إلى الغابة! - وماذا فعلتما في الغابة؟ ألم يكن هناك زواج بينكما، كما بين العريس والعروس؟ - كان بيننا نون وراء، فقط لا غير.. ثم لماذا الكلام بالفصحى؟ أنا لا أفهم إلا بالكلام العامي الدارج، وقد قرأت الكتب القديمة، ووجدت أسلافنا يسمون ذلك الشيء باسمه، واسمه يبدأ بحرف النون. -أنا لم اقل لـ زوجتي مثل هذا الكلام.. -وكيف تمت تلك المسألة؟ على الساكت؟ افهمني سيدي، لاعيب في الحلال انت قلت لعروسك كلمة ماغير هذه،ماهي؟ النون طبعاً،وإلا جعلتني اعتقد أن زوجتك لاتزال آنسة مثلي.. قال رئيس المحكمة الصبر: -طيب ياقمْطرة، قلت حرف النون،كما قال زوجك صقرش، وبعد؟ -مثل قبل تماماً.. لماذا انت ضيق الخلق؟ المسألة خطيرة..ضحك القاضي وتضاحك الحاضرون، واربد وجه دندنة فصاحت: - الاتخجلين ياقمْطرة ؟ قالت قمْطرة: -اخجل مثلك ومثل كل النساء،وبعض الرجال أيضاً، لكن المسألة -اخرسي ! -ولماذا اخرس ما دمت على الخط تماماً، وفي لب المسألة، ولاعيب في الحلال؟ هل أنت آنسة مثلي؟ صاح القاضي مستعيداً هيبته: -ياقمْطرة، ياشيطانة، يابنت ألف.. انتهينا من المسألة فإياك والعودة إليها.. هل تسمعين؟ ماذا جرى بينك وبين هذا البهيم صقرش؟ -دخلنا في حرف الراء.. ولكنني، قبل الكلام على الرأي،اسأل الدفاع: هل أنا على الخط؟ قال محامي الدفاع الصياد مغاور: - انت على الخط تماماً واقسم برحمة زوجي التي توفاها الله صبية، في عز شبابها.. -قبل النون أم بعدها كانت الوفاة ؟ - وما علاقتك انت بذلك؟ - علاقة المرأة بالمرأة ياجناب المحامي.. وهذه العلاقة تعيدنا الى النقطة التي بدأنا منها..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية