قصــتان
ملحق ثقافي 7/3/2006م محـــــمد أبو معــــتوق رائحة الستائر عندما دخل المحقق الغرفة. لم يحاول البحث عن أدوات الجريمة. لم يسأل عن اسم الضحية. ولا عن ملامحه، ولا عن موضع الطعنات في جسده. كان يريد أن يعرف رائحة الخوف التي انطلقت إبان وقوع الجريمة.
لون الدم الفائر الذي تدفق لحظة الهجوم شهقات الحب التي أطلقتها الضحية قبل أن يقتحم أحد الباب. بريق الرغبة.. وأظافر النشوة عندما تشكلت الفتنة والخدوش. التماعة حد السكين وهي تحاول الهجوم. أمواج الغضب التي أطلقها القاتل بعد أن استدار بظهره إلى الجحيم أحزان المرأة بعد أن غطت جسدها بالخوف ثم هرعت إلى الستارة لتخفي جسدها خلفها وتذوب لم تكن معرفة كل هذا ممكنة إلا إذا تشمم المحقق الرائحة التي تركتها المرأة خلف الستائر نسيان بعد أن قتل قيصر روما بخناجر الأصدقاء والمحبين وعشاق الديمقراطية قام صراع على العرش بين القادة بروتس مضى إلى السراديب، ليكتب قصيدة لتمجيد الأصدقاء النازفين. أوكتافيوس ذهب بعيداً ليشغل نفسه بالمزيد من الفتح والصليل. وانطونيوس هرب من رائحة الدم إلى مصر وعندما التقى بذراعي كليوباترا بدأ يعيد اكتشاف روما واكتشاف نفسه التي أذبلتها الحروب. وكان عندما يتأمل أنف كليوباترا الجميل ونهديها، يحس بإهرامات من الفتنة تشكل أمامه إهرامات لا مثيل لها في العالمين بعد أن وصلت الأخبار إلى أوكتافيوس أعد الجيوش ليهزم كليوباترا التي لم تنتصر على روما في ساحات القتال وإنما على أسرة الحب والمحبين في المعركة الأخيرة فضلت كليو باترا مواجهة الأفاعي، على مواجهة الأباطرة والفاتحين العشاق تحدثوا عن كليوباترا وموتها العظيم المؤرخون تحدثوا عن أوكتافيوس المنتصر الذي أمر بإحراق السفن والمكتبات دون أن يصاب بسعال خفيف بعد قرون نسي العشاق الدخان الذي أطلقه الفاتحون وانصرفوا لتمجيد كبرياء كليوباترا وصندوق الأفاعي النبيل التمنع، وعندئذ أخذ الأرقش بيدها، وأوقفها إلى جانب صقرش زوجها، فابتسم أكرم الرماح، رئيس المحكمة، وسألها قائلاً: - أنت السيدة قمطرة؟ الاسم والكنية وتاريخ الولادة ومقر الإقامة.. ردت قمطرة مصححة: - الآنسة قمطرة سيدي الرئيس! - كيف آنسة وزوجك صقرش إلى جانبك. - أقول لك آنسة والسلام، فإذا لم تصدق هات الداية لتتأكد. احتج صقرش: - هذا طعن برجولتي سيدي! - هل أنت واثق من رجولتك؟ - مثل ثقة قمطرة ! قالت دندنة: - اسمع يا صقرش، وأنت يا قمطرة، هنا محكمة وليس مكاناً للحزازير، متى كان زواجكما، وهل هو شرعي حسب الأصول؟ ردت قمطرة: - طبعاً شرعي، عند المأذون، وبحضور شاهدين هما الحكيم بشير والأرقش.. هل هذه حزورة؟ زجرها رئيس المحكمة: - تأدبي يا قمطرة، واشرحي لنا كل شيء، منذ عقد الزواج الشرعي، إلى ليلة الدخلة. - لم تكن الدنيا ليلاً بل نهاراً، ولم تكن هناك دخلة كما هي الأصول، تزوجنا وذهبنا إلى الغابة! - وماذا فعلتما في الغابة؟ ألم يكن هناك زواج بينكما، كما بين العريس والعروس؟ - كان بيننا نون وراء، فقط لا غير.. ثم لماذا الكلام بالفصحى؟ أنا لا أفهم إلا بالكلام العامي الدارج، وقد قرأت الكتب القديمة، ووجدت أسلافنا يسمون ذلك الشيء باسمه، واسمه يبدأ بحرف النون. -أنا لم اقل لـ زوجتي مثل هذا الكلام.. -وكيف تمت تلك المسألة؟ على الساكت؟ افهمني سيدي، لاعيب في الحلال انت قلت لعروسك كلمة ماغير هذه،ماهي؟ النون طبعاً،وإلا جعلتني اعتقد أن زوجتك لاتزال آنسة مثلي.. قال رئيس المحكمة الصبر: -طيب ياقمْطرة، قلت حرف النون،كما قال زوجك صقرش، وبعد؟ -مثل قبل تماماً.. لماذا انت ضيق الخلق؟ المسألة خطيرة..ضحك القاضي وتضاحك الحاضرون، واربد وجه دندنة فصاحت: - الاتخجلين ياقمْطرة ؟ قالت قمْطرة: -اخجل مثلك ومثل كل النساء،وبعض الرجال أيضاً، لكن المسألة -اخرسي ! -ولماذا اخرس ما دمت على الخط تماماً، وفي لب المسألة، ولاعيب في الحلال؟ هل أنت آنسة مثلي؟ صاح القاضي مستعيداً هيبته: -ياقمْطرة، ياشيطانة، يابنت ألف.. انتهينا من المسألة فإياك والعودة إليها.. هل تسمعين؟ ماذا جرى بينك وبين هذا البهيم صقرش؟ -دخلنا في حرف الراء.. ولكنني، قبل الكلام على الرأي،اسأل الدفاع: هل أنا على الخط؟ قال محامي الدفاع الصياد مغاور: - انت على الخط تماماً واقسم برحمة زوجي التي توفاها الله صبية، في عز شبابها.. -قبل النون أم بعدها كانت الوفاة ؟ - وما علاقتك انت بذلك؟ - علاقة المرأة بالمرأة ياجناب المحامي.. وهذه العلاقة تعيدنا الى النقطة التي بدأنا منها..
|