لقد وجد الفلسطينيون العرب الذين تشبثوا بأرضهم عام 1948 وعشية الإعلان عن إقامة الكيان الصهيوني أنفسهم وجها لوجه أمام تجليات الفكر الصهيوني العنصري فقد اعتبرتهم سياسات ذلك الكيان أقلية قومية لا حقوق قومية أو وطنية لهم وباشرت في سن القوانين العنصرية التي تنص على مصادرة أراضيهم وحصرهم في تجمعات معزولة وعلى تطبيق القوانين العسكرية من منع تجول واعتقالات فردية وجماعية ومنعهم من مزاولة أي نشاط سياسي إلى جانب الإبقاء على القوانين الانتدابية التي كانت سائدة إبان فترة الاستعمار البريطاني وتطبيقها عليهم دون سواهم.
وكل ذلك يأتي في سياق سياسات ومدروسة تستهدف نفيهم من وطنهم وتجريدهم من هويتهم الوطنية والقومية وسلخهم عن محيطهم العربي والإسلامي وبالتالي اسرلتهم.فقد قاوم فلسطينيو عام 48طوال الخمسة عقود كل هذه السياسات واثبتوا وطنيتهم وانتماءهم إلى الأمة العربية والإسلامية لكنهم رغم ذلك كله لازالوا يتعرضون لنفس السياسات القديمة الجديدة غير أن الجديد في هذه السياسات هي الحملات التحريضية العنصرية ضد محاولة المؤسسات الوطنية بلورة رؤية لواقعهم وكيفية التعاطي مع هذا الواقع على ضوء استمرار سياسات التمييز العنصري والإلغاء الوطني .
وقد نشر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) مؤخرا تقريرا حول فلسطينيي عام 1948 أوردت الصحف الإسرائيلية مقتطفات منه تقول أهمها: يحذر جهاز الأمن العام (الشاباك)- من مغبة استمرار الابتعاد بين عرب إسرائيل والدولة ... بعض المحافل الأمنية الكبيرة تعبر في محادثات مغلقة عن الرأي وتصف ما يجري في أوساط الأقلية العربية بأنه( خطر استراتيجي حقيقي على المدى البعيد على الطبيعة اليهودية ومجرد وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية).المعطيات المتراكمة مؤخرا في جهاز الأمن العام مقلقة, ارتفاع في تماثل عرب إسرائيل مع الفلسطينيين, ارتفاع في تماثلهم مع محافل الإرهاب, ارتفاع في التماثل مع إيران, مع حزب الله ومع الجهات التي ترفض مجرد شرعية وجود إسرائيل كدولة يهودية. وكل ذلك على الملأ وفي ظل إظهار التحريض البارز من القيادة السياسية المحلية, مظاهر لا رد حقيقي عليها في التشريع الإسرائيلي وجهاز فرض القانون. ومقلقة على نحو خاص ظاهرة (وثائق الرؤيا) المتكاثرة داخل النخب المختلفة بين عرب إسرائيل. في هذه اللحظة توجد أربع وثائق رؤيا مختلفة المشترك بينها هو رؤية إسرائيل كدولة لكل مواطنيها وليس كدولة يهودية. وحسب المعلومات التي عرضت في النقاش, ففي نية محافل في قيادة الجمهور العربي العمل على توحيد الوثائق الأربع في وثيقة واحدة وتحويلها إلى رؤيا متفق عليها من كل أبناء الأقلية العربية في البلاد.
وفي مقالة تحمل عنوان (الحرب الهادئة) كتب عاموس جلبوع في معاريف يتحدث خلالها بلسان المواطنين العرب وعلى طريقة (كلمة حق يراد بها باطل ) وبشكل تحريضي مكشوف يقول :نحن, العرب الفلسطينيون في إسرائيل لا نريد الاندماج في الدولة اليهودية والديمقراطية. نحن نريد مواجهة وسنريدها.لماذا? لأنكم, أنتم اليهود, غرباء هنا, واستعماريون طردتم من هنا أكثر الشعب الفلسطيني. الحقوق هي حقوقنا, نحن أبناء المكان, ولكونكم دولة يهودية تسلبوننا حقوقنا القومية التامة. حقنا في المساواة التامة.يعني هذا أن عليكم أن تُعيدوا إلى هنا اللاجئين العرب; أن تُعيدوا نحو 300 ألف عربي فلسطيني من مواطني إسرائيل إلى قراهم الأصلية في إسرائيل; وأن تعوضونا جميعا عن جميع المعاناة التي مررنا بها منذ 1948; وأن تُعيدوا إلينا أراضينا; وهذا يعني أن عليكم أن تُغيروا جميع ترتيبات الإدارة والحكومة في إسرائيل وجميع مؤسسات الدولة ومنظماتها بحيث تكون عائدة لليهود والعرب على نحو متساوٍ; وهذا يعني أنكم ستضطرون إلى تغيير جميع شعارات الدولة, بحيث تُعبر عن أن هذه دولة عربية ويهودية أيضا; وهذا يعني أن تكون في إسرائيل لغتان. وأن لا تكون اللغة العبرية هي السائدة. والقائمة طويلة جدا بلا واجبات بالطبع.إن جزءا من هذه الأشياء قد ظهر في الماضي, في تصريحات خاصة لمثقفين عرب, من ضمنهم عضو الكنيست عزمي بشارة أيضا. الآن, في الأشهر الأخيرة, تظهر كنظرية منظمة, بأسماء مختلفة, من قبل ثلاث جهات, تعلن في واقع الأمر حربا على دولة إسرائيل اليهودية, دولة الشعب اليهودي: أحداهما, اللجنة القطرية للسلطات العربية ولجنة متابعة عرب إسرائيل (وثيقتهم تُسمى الرؤيا); والثانية, منظمة (عدالة), التي هي المركز القانوني من اجل حقوق عرب إسرائيل, وهي التي تعقد صلات وثيقة بالمنظمات الدولية المختلفة (تسمى وثيقتها الدستور الديمقراطي); والثالثة منظمة »مساواة) التي هي مركز لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل تسمى وثيقتهم التي كتبها يوسف جبارين دستور مساواة للجميع? ووثيقة رابعة, ستُسمى ميثاق حيفا يتوقع أن تصدر قريبا.يوجد بيننا من يفضلون دفن رؤوسهم في الرمل وأن يقولوا: قبل كل شيء, الأكثرية الصامتة من السكان العرب تعارض أكثر الأقوال التي وردت في هذه الوثائق, وكل ما تريد هو المساواة المدنية فقط, والعيش, والسكن, والعمل. هذا زعم مخطوء. أولا, لان المفوضية الرسمية التي يوافق عليها عرب إسرائيل (لجنة المتابعة) تقوم من وراء إعلان الحرب.وقول آخر لدافني رؤوسهم في الرمل هو دعوا الكلاب تنبح والقافلة تسير. أي أنه لا ضرر من هذه الوثائق. من جهته يرى ميرون بنفنستي المحسوب على تيار المؤرخين الجدد تيار ما بعد الصهيونية(وثيقة الرؤية المستقبلة) التي يطمح المواطنون الفلسطينيون صياغتها من زاوية مختلفة ويسلط الأضواء على موقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حيالها واهتمام الرأي العام بها معترفا بنجاح السياسات العنصرية الإسرائيلية في تكريس ما اسماه زعامة الأغلبية اليهودية وتهميش الأقلية العربية في الكيان العنصري قائلا :وثيقة الرؤية المستقبلية التي صاغها المواطنون العرب في إسرائيل تواصل اجتذاب اهتمام الأوساط الأكاديمية ومحققي الشاباك كما كان متوقعا وتحظى بالاهتمام الشعبي المحدود. من يرد عليها إنما يتعامل مع وثائق خاصة تعبر عن التطرف.التحليل التاريخي واعتبار إسرائيل دولة أحادية الحكم تسعى للحفاظ على زعامة الأغلبية اليهودية و تهميش الأقلية العربية وعلى وجه الخصوص ينظر لمطلب الديمقراطية التسووية والمشاركة في الحكم كهجمة كبرى على طابع الدولة اليهودية. حملة التحريض على عرب 48 لاتقتصر على الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام الإسرائيلية إنما تشمل الأوساط الأكاديمية أيضا .البروفسور الحنان ياكيرا المحاضر في جامعة تل-أبيب يرى في مقالة له في معا ريف: أن الرؤيا المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل,تقترح أن تكف إسرائيل (في حدود 1967) عن كونها دولة يهودية. إنهم يطلبون تغيير نظام حكم دولة إسرائيل, وبهذا يكفرون بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير, لكنهم لا يدعون بصراحة إلى إلغاء إسرائيل. إنها تطالب بإقامة دولة واحدة - لا اثنتين - من البحر إلى النهر تكون فيها أكثرية عربية. وتعلمنا بأن الطريق من شارع الشهداء في الخليل ومن جبل أبو غنيم في القدس حتى الدولة الجديدة التي ستقوم في فلسطين - ارض إسرائيل إذا تحققت رؤياها فسيُمحى اسم إسرائيل من الخرائط.
ذئب في جلد حمل وصف أطلقه شلومو أفنيري مدير عام وزارة الخارجية سابقا على اقتراح منظمة عدالة الذي يدعو إلى سن دستور في اسرائل ويقول :لاقتراح دستور مركز عدالة هدف واضح: فهو وثيقة قومية عربية, ترمي إلى الإخلال بشرعية وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية. ينبغي أن نفترض ردا على اقتراح عدالة القومي العربي, اقتراحات قومية يهودية متشددة. لن ينشأ عن هذا دستور - بل جدل مر يعمق الفروق فقط وسيصدر عن هذا عدم الاتفاق.