و البيانات المكررة عن التضامن العربي , بينما منذ ذلك الحين جدار المقاومة العربية للتغلغل الأمريكي - الصهيوني في جسم الأمة العربية يتصدع, و أخذ يتهاوى تحت ضربات التسوية , حتى جاءت قرارات قمة فاس (1982) , فجعلت الإعتراف بالعدو الصهيوني سياسة ممكنة, رغم اختلاف السياسات القطرية .
تعتبر القمة العربية المرتقبة في الرياض بعد ايام, قمة إعادة المنطقة الى التعقل, لمواجهة المحن التي تعصف بها, وتفكيك بؤر الأزمات التي تحكم طوقها من العراق إلى لبنان وفلسطين, مستعرة نارها بالانقسامات أخطر الملفات امام القمة, فالدور المحوري لعدد من الدول العربية الساعي الى لجم الانهيارات ووقف مسارات تدويل تُخرج مصير العرب من أيديهم, سيجعل مؤتمر القادة استثنائياً بامتياز.
سوف تؤكد قمة الرياض من جديد اعتمادها مبادرة السلام العربية بوصفهاالوريث الشرعي لقرارات قمة فاس , التي سبق أن أقرتها قمة بيروت عام 2003, خيارها الاستراتيجي, القائمة على تسوية الصراع العربي - الصهيوني , تسوية سلمية, تتضمن الاعتراف العربي ب(إسرائيل) والتطبيع معها إذا تخلت عن الأراضي المحتلة..
وكانت وسائل الإعلام الصهيونية ركزت في الفترة الماضية على قيام الإدارة الأمريكية بإجراء اتصالات ومحادثات منفصلة مع الكيان الصهيوني والعواصم العربية حول (مبادرة السلام العربية)قبيل انعقاد القمة العربية في الرياض نهاية الشهر الحالي.فقد تحدثت صحيفة (هآرتس) عن سر اهتمام رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت المفاجئ بمبادرة السلام العربية, واعتباره أنها تحتوي على عناصر (إيجابية) ويمكن أن تكون أساساً لاستئناف المفاوضات )العالقة( مع الفلسطينيين إذا ما أدخلت التعديلات اللازمة عليها, وأهم هذه التعديلات هو البند المتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار مجلس الأمن رقم 194 وضرورة إسقاطه من المبادرة. وأشارت الصحيفة إلى أن أولمرت الذي ينهار تحت استطلاعات الرأي (2%) والفضائح المتعددة وإخفاقات العدوان على لبنان يحتاج إلى مبادرة تمنحه (أوكسيجنا)سياسياً, وليس هناك أفضل من المبادرة العربية التي يمكن أن تمنحه نقطة تفوق في صراعات القوى الداخلية من دون أن يخسر شيئاً مع تأييد شعبي يقترب من الصفر.
وتواصل (إسرائيل) جهودها الرامية لابتزاز تنازلات عربية عبر مواصلة تفريغ المبادرة العربية من مضمونها, بشطب حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة, خصوصاً بعد نبذ مصر سريعاً المطلب الصهيوني بتوسيطها لدى الزعماء العرب في القمة لتعديل المبادرةالتي أقرتها قمة بيروت في ,2003 في الوقت الذي أعلنت فيه مصادر صهيونية عن عقد لقاء ثلاثي آخر يضم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الصهيوني ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس التي ستصل المنطقة نهاية الشهر الحالي, في حين يطلق رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان مبادرة جديدة للتسوية.
و على الرغم من أن العراق متجه نحومزيدمن الفوضى في ظل الاحتلال,و هو ككيان سياسي مهدّد بالتفكّك, بل لعله قد تفكّك فعلاً, ووحدة شعبه تكاد تضيع في غياهب الفتنة المدبّرة بقرار واعٍ وقصد مقصود لم يعد الاحتلال الأميركي يتورّع عن الجهر به سياسة رسمية معتمدة, فإن قمة الرياض في إطار معالجتها للشأن العراق لن تخرج عن سياق العمومية العربية المعهودة, مثل إعادة التأكيد على احترام وحدة وسيادة العراق واستقلاله وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام إرادة الشعب العراقي وخياراته في تقرير مستقبله بنفسه.
لا شك ان قمة الرياض ستكون معنية بالقلق لدى دول عربية كثيرة من ضياع هوية العراق, مع تسليم واقعي بأن ما فعلته سنوات الاحتلال ورياح التفتيت والأصابع الخارجية, يتطلب أولاً لتبديده اقتناع العراقيين أنفسهم باستعادة تلك الهوية, وبالرغبة في طلب المساعدة العربية. وهنا بالتحديد تطغى »عقدة) بغداد في القمة, من باب محاصرة الانقسامات المذهبية في المنطقة والتي اتسعت شروخها على وقع التقاتل في بلاد الرافدين. والأكيد ان الدور الذي اضطلعت به الرياض و طهران, للتصدي لتلك الانقسامات, يتجاوز التحضير لإنجاح القمة, على طريق »عقلنة) النهج العربي الذي أُريد له ان ينحسر منذ هبّت عاصفة الغزو الأميركي على أول عاصمة عربية, بذريعة مخادعة.
ولعل أكثر ما يهدد نجاح القمة أن الدول العربية , تكثر الحديث عن » السلام) و تعلن مبادرات » السلام) . و مع ذلك , فإن الحروب , تقوم, و لا تتوقف... فهناك الحرب الأمريكية على الشعب العراقي المستمرة منذ أكثر من ست عشرة سنة , و التي توجت بإحتلال العراق قبل أربع سنوات , و هناك العدو الصهيوني بقيادة أولمرت خليفة مجرم الحرب شارون يخوض حرب إبادة حقيقية ضد الشعب الفلسطيني لإقتلاعه من أرضه , و تهويد كامل فلسطين .
إن لغة العدو الأمريكي - الصهيوني و اضحة و محدودة. إنه يريد تصفية القضية الفلسطينية ,و إخضاع الأمة العربية , و تفتيتها و نهب ثروات العرب و المسلمين. و لذلك فإن العدو الأمريكي - الصهيوني يفجر حروبا, و يتحدث عن مشروع ) الشرق الأوسط الكبير». فما الذي ستفعله القمة العربية?
*كاتب تونسي