إلا أن هذه الجهود لم تفعل بعد فعلها ويعود ذلك لأسباب كثيرة تتعلق بالاستراتيجيات والآليات والأدوات وبالإنسان بشكل خاص, وقد شكل ذلك موضوعات لمقالات ومؤلفات عديدة لم تعر الاهتمام الأدنى بسبب الشخصانية من جهة وما يرتبط بها من كيديات, وبسبب الشللية وتكوين تجمعات يعود إليها المسؤول دون غيرها وذلك على حساب المصلحة العامة.
وأتمنى أن تقود هذه الندوة إلى نتائج جدية مع أن الأمر لا يحتاج أصلاً إلى ندوة وإنما إلى رؤية, وعدة أشخاص يعملون مع إرادة حقيقية, ولأن المؤتمرات عندما تعقد, فإنها تنغلق على الإداريين, الذين عينوا بقرار ليس بالضرورة لبراعتهم, وتفتقر إلى الاختصاصيين والمهتمين والباحثين, وهي حالة عامة في البلاد, إذ لابد من الاستفادة من خبرات الجميع, الذين يستبعد منهم كثيرون عندما لا يروقون للمسؤول.
بداية لا يمكن الخوض بسياسات القبول إلا بإصلاح التعليم ما قبل الجامعي وخاصة نظم الامتحانات التي تؤهل الطالب للدخول إلى الجامعة, والمناهج بتخليصها من حشوها وبمسايرتها للحركة العلمية العالمية وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص ما أمكن بحل مشكلة الدروس الخصوصية, والتلقين والاتجاه نحو التحليل والتركيب, وإبراز الشخصية المميزة, ومع أنه يدور نقاش حول التخصص ما قبل الجامعي فإن الإبقاء على نظام عام علمي وأدبي يمكن -كما سنرى- استدراكه لاحقاً.
والإصلاح المرجو يجب أن يحقق سريعاً بالنسبة لنظم الامتحانات وعلى مدى أطول بالنسبة للمناهج, ولا نعتقد أن اللجوء إلى إدراج معدلات السنوات الثلاث التي تحدد الدراسة الثانوية, في المجموع النهائي أمر مرغوب لأسباب كثيرة أقلها التباين الكبير في التقدير بين أستاذ وآخر ومدرسة وأخرى ومدينة وأخرى وبين الريف والمدينة وخاصة العقبات الموضوعية, ونعتقد أن البكالوريا رغم المساوئ الكثيرة والمآخذ تبقى المقياس الأفضل كونها تشكل سباقاً وطنياً بأسئلة موحدة وأسس تقويم واحدة, على أنه يمكن أن يعمد إلى تغيير في آلية التقويم -التصحيح- بأن يعتمد توزيع المواد على المحافظات بدلاً من التبادل بين المحافظات, بمعنى ترسل مادة التاريخ أو الرياضيات أو العلوم بكاملها, للقطر بكامله إلى محافظة, وهكذا تتجنب الحساسيات والفوارق بين محافظة وأخرى.
والخطوة الأهم في سياسات القبول قبل الوصول إلى الجامعة هي إعادة اعتماد الحد الأقصى الواحد لجمع المواد بمعنى أن تعتمد علامة واحدة كحد أعظمي: (مثلاً المئة أو العشرون لا فرق).وعند التقدم للقبول في الجامعة تثقل هذه المواد حسب الاختصاص المرغوب, ونقدم فيما يلي جدولاً مقترحاً كنموذج يمكن تطويره ليصبح شاملاً, إذ إننا نقدم هنا أفكاراً وليس حلولاً, لأن كل هذه الحلول تتطلب نقاشاً بين المختصين واتخاذ قرار يعتمد مباشرة, والجدول المرفق يعتمد كحد أقصى لكل مادة علامة المئة لدقة التصحيح, إذ كلما كبر المقياس قلت الأخطاء والفروق, وعلى ألا تجبر العلامة إلا مرة واحدة عند المجموع النهائي بحيث يجبر كسر العلامة الأكثر من النصف ليصبح علامة ويهمل الكسر الأقل من النصف, مثال:
نال طالب العلامات التالية: (57.5 + 68.5 + 80 + 91.75 = 297.50) إذا المجموع هو 298 من أصل 400 وهكذا..
(1) يتباين التثقيل حسب الكلية والفرع في الهندسات, وحسب كل قسم في كل كلية.
(2) يعاد النظر في مضمون الثقافة بالنسبة للفرع العلمي والتربية القومية الاشتراكية بالنسبة للفرع الأدبي بحيث تغنى بالموضوعات الثقافية العامة والوطنية وغزارة في المفاهيم المعاصرة.
روعي في هذا التثقيل الاهتمام بمادة الاختصاص بالدرجة الأولى ثم باللغات الأجنبية وكذلك بالثقافة العامة بالنسبة للاختصاصات كافة, أما اللغة العربية فلابد من إعادة النظر بتدريسها في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ووضع حد نهائي عال للنجاح يتخطى المعتمد حالياً.
وكذلك الأمر بالنسبة للغات الأجنبية بحيث إذا لم يحققه الطالب رسب في جميع المواد, إذ لا يمكن اعتماد تدريس اللغة العربية في الجامعات لعدم جدواها وتجارب السنوات الماضية غير مشجعة ولم تؤت ثمارها.
إن هذه الأفكار لابد أن تدعم لاحقاً بموجب استراتيجية طويلة المدى تنهض بالتعليم ما قبل الجامعي وخاصة الابتدائي من خلال تكوين معلم قادر كفء وسياسات تحفيزية باتجاه التعليم الغني لرفد المؤسسات العالية بالكوادر والفنيين والبنى التحتية الضرورية لعملها وعمل البحث العلمي, وتخفيض نسب المقبولين في الجامعات, الذين يتحول قسم كبير منهم إلى بطالة تثقل على الإنتاج القومي, إن هذه الأفكار أيضاً بحاجة إلى تمحيص ودراسة ومناقشة ولا تشكل حلاً نهائياً ولابد من تطويرها وتعميمها بالتزاوج بين أستاذ الجامعة, أستاذ المدرسة, المعلم والفنيين والمختصين.
على أنه في كل أمر هناك فكرة وآلية, غالباً ما يعبر عن الفكرة بقرار تنفيذي وهو ما يمكن بلورته وصياغته ربما بشيء من السهولة, لكن التعقيدات تكمن في الآليات, فبعضهم يجعلها طويلة لغاية في نفسه على طريقة أن الزمن ينسي الناس الأمر الجوهر أو تحدث تغيرات قدرية, أو تخلط الأمور لتضيع المسؤولية أو تبتكر مبررات في حينها ونحن مبدعون بكل ما هو تبريري, الأمر هنا يكمن في الانتقال مباشرة إلى التنفيذ الآني باعتماد علامة موحدة في البكالوريا والتثقيل في الدورة القادمة, ويجب لفت النظر هنا إلى أن التثقيل يختلف عن تثقيل سابق كارثي, لأن المواد كانت بالأصل مثقلة بالتباين فيما بينها, ثم تدريجياً نصل إلى الإصلاح بالتوازي بين التربية والتعليم العالي, ويكفي لذلك بضعة أشخاص وليس مؤتمرات ولجان ولجان على اللجان..
< أستاذ في جامعة دمشق