فحياة المعري وفكره موضوع جدل وأخذ ورد ومازالت موضوع خلاف حتى يومنا هذا وذلك لأن المعري لم يخضع في فهمه للحياة لأصل ثابت من اصول المعرفة فهو لا يثبت على ايمانه بالعقل ولا يطمئن الى عجز العقل وتصوره وانما يقف مترددا بحيث لا تستطيع ان تضمه الى فريق من المفكرين.
فليس هو عقليا لأنه لم يثبت على ايمانه بالعقل وليس سفسطائياً لأنه لم يطمئن الى عجز العقل وليس هو شكاكاً لا قدريا لأنه يتقن حينا مساوئهم بالعقل.
وهو مع هذا متناقض لا يثبت على رأي في المسألة الواحدة ينفي ثم يثبت ومن هنا من مواقف النفي والاثبات جاء فكرة هذه القراءة ( جدلية التناقض) عند ابي العلاء في فكره وشعره .
وكان ابو العلاء ذا نفس كبيرة وذكاء متوقد وكان دقيق الشعور يميل الى التشاؤم درس العلوم اللغوية والشرعية كما درس المسيحية واليهودية في اثناء تطوافه بالشام وادباره .
ومن يقرأ اللزوميات ويتتبع مسيرة ابي العلاء يرى انه كان يسلك منهجا واضحا في معيشته وعقله وتفكيره بدأ فقد لذائذه وحدد نفسه بقوانين صارمة في مطعمه وملبسه فاختار خشن الثياب والطعام ولما بلغ الثلاثين سأل ربه انعاما ورزقاً صام دهراً فلم يفطر في السنة والشهر إلا في العيدين .
تأثر تأثرا عميقا بالفاطمية وكان مغرقا في الحيرة والتردد تؤثر العاطفة المتألمة في عقله فتطبعه بطابع التشاؤم ومن هنا بدت جدلية التناقض في ارائه فهو أعلى شأن العقل متبعاً في ذلك رجال الفكر في عصره وكان العقل عنده الامام الفرد والنبي الذي يرشد الى الحقيقة .
كذب الناس لا إمام سوى العقل
مشيراً في صبحه والمساء
أيها الضر إن خصصت بعقل
فسألنه فكل عقل نبي
غير انه لا يمضي في اطمئنانه الى العقل طويلا بل سرعان ما يعترف بقصوره واتهامه فلم يكن اطمئنانه اطمئنانا بريئا من الشك والتناقض .
منهم الناس كالجهول وما
يظفر الا بالمسرة العلماء.
وقال في اللزوميات
أما الحقيقة فهي اني ذاهب
والله يعلم بالذي انا لاقي
كان المعري في صراع دائم بين حب الدنيا ومقتها وبين الفزع من الموت والترحيب به واسباب هذا التناقض كانت حبه للدنيا على الرغم مما نعت فيه من زهده بها وجهله وخوفه مما وراء الموت وكون الموت مأساة الانسانية الكبرى.
بالنسبة للمرأة كان المعري يسيء الظن بها وهي في نظره مصدر كل شر وهو يطلب حجاب المرأة وعدم انصرافها الى التعلم.
وقد ترجم فكرته عمليا حين قال:
هذا ما جناه ابي علي
وما جنيت على أحد
تبقى للمعري منزلة فريدة بين شعراء العربية لا من حيث اسلوبه وفنه ولكن من حيث روحه ونظرته الى الدنيا ويبقى جديرا بالاحتفاء والتقدير وكل قراءة جديدة في حياته وفنه تولد بحثا جديدا وتحقق نتائج مبهرة.