في الواقع, لقد فقد الفأر صوابه بالكامل, وتوقف عن الوجود بالنسبة له, وانعدمت حواسه.. إنه تحت تأثير التطفل, لقد أخذت الميكروبات الموجودة داخل أمعائه بزمام التحكم عوضاً عنه. ولكي تبقى على قيد الحياة قررت هذه الجراثيم العضوية بأنه حان الوقت لترك أمعاء (فأرها) لتنتقل إلى أمعاء القطّ. في الواقع لايوجد مكان آخر يمكن لها أن تتكاثر فيه وتكمل دورة حياتها وذلك بعدوى حيوانات أخرى بالبيوض التي تفرزها في براز السِّنَّوري الصغير. لقد دفعت الميكروبات قدماً فنّ التحريك بحيث توصلت الى جعل القارص المتطفل ينجذب الى رائحة القط بالرغم من كونه عدوه الطبيعي, مما يؤدي الى انتحاره من أجل فائدة الميكروبات.
تمتلك الطفيليات خاصية بقائها منغلقة داخل الأجسام الحية, وذلك ما يميزها عن الثدييات والطيور والأسماك التي تعيش في الخارج, على الأرض كما في الهواء أو الماء.
وبالتالي فإن عدداً من الطفيليات يتحتم عليها تجاوز عقبات ضخمة. فلإتمام دورة حياتها الكاملة غالباً ما ينبغي لها أن تمرّ من نوع طفيلي الى آخر. ونظراً لانعدام أي قدرة على الحركة الخاصة بها يكون سبيلها الوحيد نقل ضيفها لعبور هذا المسار الصعب: وبالكاد بدأت آليات علم الأحياء المستخدمة تتضح.
جميع هذه الاكتشافات تنطوي على شيء مخيف, لذلك تجد بعض براغيث المياه المنتشرة في مستنقعات جنوب فرنسا تقفز الى السطح لتبتلعها الطيور. فعوضاً من أن تختبىء في الأعماق, تنجذب القشريات الطفيلية نحو الضوء والضجة التي تصدر عن الطيور. كان البحّاثة يعلمون لسنين خلت بأن سلوكيات براغيث المياه الحلوة الفوضوية تم تعديلها بدودة في مرحلة اليرقان. لقد أتاح مجهر عالي التقنية التعّرف على ذلك بشكل أفضل بقليل. في الحقيقة سيتوضح الطفيلي في منطقة معينة من دماغ براغيث المياه حيث تنتج المرسلات العصبية الرئيسة التي تتحكم بالعديد من مظاهر السلوك لم يترك أي شيء للصدفة. الطفيلي يعمل في الوقت نفسه الذي يدخل فيه مرحلة النضج الجنسي عندما ينبغي عليه الإنضمام الى طفيليات متجانسة أخرى للتوالد والذي لايحدث إلاّ في أمعاء الطير وحسب.
ثمة من شاهد في نهاية الربيع الجراد وهو يغرق في بركة أو مسبح. ربّما حاول البعض إنقاذه بإخراجه من الماء ووضعه على العشب ظناً منهم بأن الحشرة كانت خرقاء وأنها ستكون أكثر حذراً في المرات القادمة من المحتمل أن الطفيليات دفعت الجراد الى الانتحار. وهنا أيضاً اكُتشِف بأن تلك الأخيرة تنتج بروتينات عصبية فعالة بإمكانها لوحدها دفع الجراد الى الماء, حيث تنهي الطفيليات مرحلة جديدة من حياتها. كيف يمكن لمجموعات كاملة ومميتة أن تتكون وتمتد الى ملايين السنين ? تلك الأسئلة لا تثيرها الطفيلية فحسب? إننا نتساءل فيما إذا كان عالم الأحياء بمجمله والإنسان ذاته تسيّره الطفيليات حقاً?
لقد بيّنت دراسة حديثة بداية الجواب... عندما يكون إنسان ما متطفلاً بجرثومة كانت في البدء سبباً للملاريا اكتُشف أنه يجذب البعوض أكثر من إنسان غير مصاب ومع ذلك لم ينجح العلماء بعد للتوصل الى ما يمكن للطفيلي أن يعدّل في الانسان وسلوكياته . من الواضح في كل الأحوال أنه عن طريق مجهول يتوصل الى مضاعفة نسله.