تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فضاء الأمر الواقع

فضائيات
الأحد 25 /3/2007
عقبة زيدان

لم تنجح التلفزيونات العربية, في تقديم الواقع كما هو, وجانبت هذا الواقع لعدة أسباب; أهمها أن الواقع لا يجلب مشاهدين كبرامج المنوعات الخفيفة, إضافة إلى أنه وبعد عدة حلقات من أي عرض للواقع, سيصطدم البرنامج بما يمكن أن يسمى ب (جدار الإسمنت المسلح) للرقابة الجماهيرية قبل المؤسساتية.

وبدلاً من محاولة خلق الواقع على التلفزيون, أسوة بكل تلفزيونات العالم, استحسنت الفضائيات العربية, نقل البرامج الأجنبية (الأمريكية والبريطانية خاصة) وقدمتها إلى مشاهديها على أنها برامج واقع. أي أنها قامت - وعلى كيفها طبعاً - بمحاولة إقناع المشاهد بأن ما يراه هو الواقع. ولكن أي واقع? هل ينطبق الواقع الغربي, المتخلص من كل مشاكله البدائية, على واقعنا الذي ما زال يرزح تحت أثقال من الوهم والمرض? الغرب يقدم واقعه ومشاكله وتعقيداته هو, وأوهامه وأمراضه, وحتى فصامه النفسي بلا خجل. أما الفضائيات العربية, فهي تهرب من الواقع إلى التجميل واللصق والماكياج.‏

تهم الغربي مشكلة الريجيم, إذ تشكل البدانة مشكلة غربية بامتياز, ويعشق المواطن الغربي متابعة تفاصيل حياة فتاة مشهورة في إحدى المزارع, ويمكن أن يمول هو جزءاً من البرنامج, ويشتهي الجلوس لساعات أمام التلفزيون وهو يتابع طريقة صناعة النجوم.‏

الواقع العربي الذي يعيش في شروط قرن مضى, لا يمكن أن يكون على السوية نفسها. ورغم ذلك يظن القائمون على التلفزيونات العربية أن لا مشاكل لدينا; إذ لا تطرح مشكلة البطالة, التي تشكل واقعاً عربياً فاضحاً, ولا تأخذ الأمية أهمية, وهي تشكل واقعاً آخر مخزياً, إضافة إلى أن هجرة العقول العربية, لم تأخذ حيزاً صغيراً من الفضاء العربي الكبير.‏

في بلاد كبلاد العرب, تتناثر فيها مدن الصفيح, وتمتلئ فضائياتها بالمتع ومسابقات الريجيم وتلميع النجوم وقراءة الأبراج, يستحيل أن تجد تسمية لها سوى: بلاد تبحث عن ذاتها.‏

لا بد من أن يكون هناك زمن فضائي جديد, يجول في الأحياء العربية, ويأخذ الإنسان العربي بعين الاعتبار, حتى لا يمر زمن آخر ولا يبقى لهذا الإنسان ملمح واحد نعرفه فيه.‏

الزمن الجديد, لا يجوز أن يقبل ببرنامج اسمه (أغلى شباب), يجلب موضوعات باهتة ومنشورة على الانترنيت منذ أسابيع, ويناقشها بسطحية (ولم أدرك من هم المقصودين بأغلى شباب). وهناك سؤال: من هم هؤلاء الشباب الذين يتوجه إليهم البرنامج? أليس لدينا عدد كبير من الشباب لا يجدون عملاً? أليس من الطبيعي أن نلتقي بأحد الذين يعملون في الأعمال الشاقة ويحملون شهادات جامعية? هم شبابنا فقط هم أولئك الذين يجلسون وراء الكومبيوتر?‏

ولا يقبل الزمن الجديد أيضاً بأن يكون الصباح التلفزيوني مليئاً بالمواضيع التي توجع القلب, وباللقاءات الثقيلة الدم. وحين يظهر برنامج طبي, فإن معلوماته تذكرك بالكتب المدرسية, وقبل عهد الجراحة الحديثة. وإن كنت من محبي الثقافة, فإنك ستذهل بالمعلومات القيمة التي توردها فتاة, ربما قرأت في حياتها عشرين كتاباً, أو يزيد قليلاً...إلخ.. كل هذا يقبله زمن يدعى (الزمن الماضي), أما الزمن المتميز بكثافة المعلومة, فإنه يرفض ما ليس يخصه.‏

في أيام الأعياد, يتقدم مذيع من طفلة ويسألها: ماذا اشتريت للعيد? وتجيبه بأنها اشترت فستاناً أحمر! ويسأل ثانية وثالثة; ولكني كنت دائماً أقول: لماذا لا يذهب هذا المذيع الرصين الودود إلى الأحياء التي لا يعرف أبناؤها ماذا يعني العيد, ويسأل الصغار: هل سمعتم بالعيد? ولماذا لا يذهب أيضاً إلى أولئك الذين لا يشترون البضاعة الوطنية, ويستبدلونها ببضاعة غربية? لماذا لا يسألهم: هل سمعتم بأن بلدكم ينتج ألبسة?‏

الواقع العربي هو ذلك الصراع بين القبائل في مكان ما, وهو أيضاً جحافل البشر التي تنتظر دورها في الموت والقتل. الواقع هو الترسانات الهائلة التي تقيد الثقافة والإعلام في مكان عربي, وهو صراع من أجل أن تتنفس المرأة في مكان عربي آخر, وهو كل ما يمكن أن تتخيل من أمية وبطالة وعطالة, وفقر وقهر, وشوفينية وإيمان بالخزعبلات; أما الفضاء العربي, فهو على النقيض تماماً: رقص وغناء وهدوء, وأخيراً تخمة في الحرية!‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي |  dalatione@hotmail.com | 25/03/2007 07:42

في الغرب يلعب التلفزيون لعبة الواقع الإفتراضي, وفي الشرق يلعب التلفاز لعبة النعامة في الهروب, وكل النتائج علينا ستكون سلبية إثر سلبية , ولاأحد من أصحاب القرار يبالي.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية