تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المفاوضات المباشرة.. رحلة الاختيار مابين الموت والانتحار

شؤون سياسية
الأربعاء 1-9-2010م
بقلم: د. أحمد الحاج علي

يستحضرون في اللحظة المناسبة وعند الموعد وحسب الحاجة نقطة من خارج جدول أعمال الصراع العربي - الصهيوني ، ومن خارج السياق الذي توضعت فيه الأحداث،

يأتون بهذه النقطة لتشكل صباً خارجياً قهرياً يصبح هو البديل عن كل ما مضى وعن كل حقائق الصراع ، واستحضار النقطة الهجينة هو منهج صهيوني وبرنامج عمل أخلاقي وسياسي لهذه المجموعة الشاذة من البشر .‏

والحق ليس عليهم فهذه طبيعتهم لكن للمسألة أوجهاً وتداعيات تستحق أن نزرعها في ذاتنا ونتابع تطوراتها فينا لنكتشف نحن العرب الى أي درك سقطنا وفي أي منزلق غطسنا والى أي حد اعتنقنا الهوان فصار صديقنا ورفيق حركتنا وشريك تصرفاتنا المذهلة لنا وللآخرين ، بالأمس البعيد كانت القصة بسيطة واضحة ، هناك احتلال للأرض وقتل وتهجير ، هناك مأساة هي الأولى في هذا العصر وكان رد الفعل العربي عليها التحرير وإزالة الظلم واستعادة الحق بطريقة المقاومة والجهاد المقدس والحرب المصيرية المشروعة وهنا حتماً يقع السلام بطبيعته وقواعده ومتطلباته وما كان العرب أمة حرب مجانية أو عدوانية على الآخرين ، لسنا هواة قتل وتدمير بل ندفع عن أنفسنا وعن الآخرين القتل والتدمير ونريد الحرية لنا وللآخرين ، هذه نسمات من فكر متكامل أطلقه الرئيس الراحل حافظ الأسد والأساس في ذلك هو تحرير الأرض ونيل الاستقلال بطريقة مواجهة العدو وطرد المحتل ، وكانت هذه قناعة الجميع حينما كانت فلسطين قضية الجميع وهمَّ الجميع ، كان المشهد الأخير والعظيم في هذه الرؤيا هو حرب تشرين ، وتراخى الأمر لأسباب معلومة ومجهولة وأدركت القوى المعادية أنه لابد من سحب عوامل الشحن العربي ومن إجهاض الامتداد العربي نحو المقاومة والهدف الكلي وهكذا طرحوا فكرة (العملية السلمية ) بديلاً عن السلام ، إن السلام هو الطرف الثاني من معادلة التحرير ولاتحرير بدون سلام تماماً كما لاسلام بدون تحرير ، أما العملية السلمية فهي وقوعات وإجراءات وتجريب وتخريب وفوق هذا وذاك تنازل عن المصدر ولهاث خلف الوهم والقتاد والسراب ، وانطلت الحيلة على العرب وعلى العالم وانجذبنا الى العملية السلمية وتعاملنا كسياسات عربية مع كيسنجر مع روجرز ومشروعه منذ العام 1968 ثم دخلنا في دهليز كيسنجر ومشروع الخطوة خطوة وكان من تطبيقاته أن وصلت أنظمة عربية الى لحظة كامب ديفيد في العام 1979 وكامب ديفيد يتضمن شق الصف العربي وتمزيق الموقف العربي وثغرة الدفر سوار في سيناء ومباحثات الكيلومتر 101 تحت الخيمة المشبوهة ومن ثم إنجاز اتفاقية كامب ديفيد في البيت الأبيض.‏

استكانت الهمة العربية ثم هانت إلى أن وصلنا إلى مؤتمر مدريد معلنين بصورة جماعية أننا جاهزون لنتباحث مع الآخر ولننطلق من جدول أعمال مختلف آخر، وتجرعنا جميعاً المرارة واكتشفنا أننا مادة سلسلة جاهزة للتنازل والاستغراق في سوق النخاسة وبيئة البيع والشراء بالجملة أو بالمفرق، وتاهت فكرة العملية السلمية بل انتهت واستحضرت إلى المنطقة ومن فيها فكرة المفاوضات السرية والعلنية الجماعية والفردية وبدا مشوار آخر من التردي ظهر من خلال أوسلو وكامب ديفيد الثانية ووايت بلانتيشن ومحطات أخرى مازالت تنخر من الذاكرة، وقبلها بعض العرب وانقسم البعض الآخر عليها ثم توضحت آفاق اللعبة فلا تحرير ولاعودة ولا انسحاب ولاحق فلسطيني ولاقيمة للقرار 242 أو 338 وصار ماكان يبدو حقيقة مجرد وهم مسكون بالأشباح مفتوح على المجهول وكان لابد من المرحلة الرابعة بعد السلام والعملية السلمية والمفاوضات وكانت هذه الرابعة تتجسد في تجاذبات بين أطراف عربية والكيان الصهيوني عبر مباحثات سميت مباشرة مرة وغير مباشرة مرة أخرى وبموجب هذه المرحلة صار الأهم هو أن نتفاوض مع العدو الصهيوني، أن نقبل بشروطه ثم نقبل بعد ذلك بانسحابه من هذه الشروط وانقلابه عليها وصار بموجب ذلك القتل للعرب دافع آخر للقاء مع رموز العدو وممثليه، والتقطت السياسة الأميركية هذه الخصيصة العربية وأدركت أنه قد حانت فرصة أخرى لتوسيع الهدف الأميركي بآفاق أخرى أيضاً وكانت الفرصة، احتل الأميركيون العراق ودمروه حياً وميتاً وتطلعوا إلى نشر الفتنة في لبنان وأوجدوا الشرخ في فلسطين بصورة متعمدة وبنتائج هي في غاية البشاعة، كان ذلك هو الإطار العربي الكبير الذي تصب مفاعليه ونتائجه في مسألة المفاوضات مع الكيان الصهيوني وكان واضحاً أن العرب وقعوا أسرى تكتيك رخيص مكشوف وأن بعض العرب أدمن اعتناق هذا الرخص حتى لحظة الموت المؤقت أو الأبدي، وما كان لإسرائيل العدو الخبيث والماكر وصاحب الخبرة في اللعب على الوقت والمسارات وفي الانقلاب على كل مايمكن أن يوقعوا عليه من فتات وبدأت سلسلة من طرح النقاط المجزوءة مثل المستوطنات وإيقاف المستوطنات والملامح الإدارية للسلطة الفلسطينية والتلويح بأن طلبات الفلسطينيين تدرس بعناية في وقت تدمر فيه فلسطين بكاملها بعناية حقيقية، يدنس الأقصى والحرم الإبراهيمي وتفرغ القدس من عروبتها ويهجر المسيحيون قبل المسلمين وتعود الذاكرة للنقب فهناك عرب لهم خيامهم وأكواخهم ولابد من إزالتهم مع ما هم فيه وما هم عليه، وهناك استدراكات صهيونية لابد أن يقر بها العرب وهي أن الدولة يهودية وأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل وأنه قد آن الآوان لاستئناف العمل بالقاعدة القديمة التي تقول فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وأغرق العرب اعتناق السياسات العربية تراجيديا الطاعون، بعضها دون حياء وبعضها غلف الأمر وبرره بحجة أننا لن نخسر شيئاً والبعض الأهم والأخطر هو الذي مازال يبني وجوده واستمراره على قدر ما يسلم لإسرائيل ولأميركا بالأمر الواقع وبالاستجابة للطلبات التي لن تنتهي أبدا.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية