تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وكاسك يا وطن..

ثقافة
الاربعاء 6-5-2015
مصطفى علوش

نكتب الآن والزلزال تحت أقدامنا، نكتب ونعرف أن الوطن هو الناس، ما نفع كل جنان الحياة بدون ناس، نكتب والفكرة مثلنا تبحث عن أقصى حالات التعبير، تلبس الفكرة رداء اللغة فتكون في لحظة جملة عزاء، وكم نحتاج الآن للغة التي تجمع الناس حولها، اللغة جسر وطريق وحياة.

فيما مضى من العمر كتب الشاعر نزار قباني يخاطب مجندة شاركت في حرب بور سعيد فقال لها: (البنادق والقصائد، والعيون السود، كلّها أصبحت فحماً مشتعلاً في ليل المعركة، هكذا هدّمت المعركة كل مفاهيمي الجمالية، فلا تستغربي أن أزهد بكل ما تعبق به خزائنك من أصفر وأسود ليلكي، وأقف ساعة أمام بقعة زيت تركتها بندقية على قميص مجنّدة من بنات بلادي.. قميصك المعقود الأكمام، الذي تركت عليه البندقية بقعاً من الزيت أطهر من زيت المعابد، أطهر من الطهر..).‏‏

فضاء نزار قباني النثري يأخذنا نحو جدارية محمود درويش، وأحمد العربي، نحو مظفر النواب وهو يعتّق اللحظة على شكل وطن مرتجى، مظفر النواب وكم نحتاجك الآن.‏‏

الوطن أن لا تسرق من مال الشعب، أن لا تستغل الحرب ولا تتحول إلى تاجر أخلاق متجول، الوطن.. هو تلك المرأة، أم الشهيد التي تركض الآن نحو خزانة الثياب الباقية من أثر ابنها، تشم رائحة قمصانه وتنسج من عطر ثيابه وطناً دستوره التسامح، وطناً قادماً لها وله ولنا جميعاً.‏‏

وأكثر من ذلك، الوطن ليس فكرة ثابتة ولا شعارات فقدت كل مضامينها، هو الصدق الخالص، العدالة ولو تأخر تطبيقها، والنظافة والشرف و.. ودموع من نحبّ أيضاً..‏‏

شقائق النعمان التي أرادها محمد الماغوط، ولوحة فنان عمّر من خيباتنا الفردية ألوانه..‏‏

هو..كل هذا النقاء المرتجى وصوت الضمير الحيّ، وقصائد النواب والماغوط ومحمود درويش، هو ما قاله ممدوح عدوان في كتابه: (حيونة الإنسان)، حيث الوطن هو الإنسان الحرّ النبيل.‏‏

هو أن لا نخاف ونحن نقول للفاسد أنك فاسد وللسارق انك سارق، وحدود البلاد هي الإنسان.‏‏

في المدن والقرى قد لا نملك شيئاً على أوراق الطابو العقاري، ولكننا نملك كل شيء، نملك ذكرياتنا وحكاياتنا ورائحة من نحبّ، نملك قصة المدرس الذي حفر في عقولنا قيمة العلم والحبّ والتسامح.‏‏

وفوق هذا ذاك.. هو اسمنا الجماعي الممزوج بالنشوة العارمة، البهجة حين نعرف أننا معه في أمان مطلق. لاتتسق مفاهيم الأوطان مع الخوف، الوطن هو اللاخوف.‏‏

هو تحليل الدم والقلب والروح والناتج كلمة واحدة وحيدة هي سورية، هو حوار الشهيد مع والده الحيّ في مسرحية كاسك يا وطن، قصائد محمد عمران وروايات حيدر حيدر. وقصائد رياض الصالح الحسين، ضحكة طفل قادم وغيمة تنتظر الهطول.‏‏

و مهما فاض الحبر بالكتابة والمعاني، ثمة ما هو أكثر.. هو السرّ القابع وراء جملة مغترب (ادفنوني في بلادي)، اللهفة الممزوجة بالمستقبل، قصيدة تكتبها الناس الآن.‏‏

وبعد.. هذا بعض ما يمكن أن نكتبه.. ونترك للقادم أن يرسمنا معه على شكل لوحة قوامها الناس. وكاسك يا وطن.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية