تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«البقشيـــش»

استراحة
الأربعاء 6-5-2015
لم يرد في كتب التاريخ اسم أول من دفع الإكرامية، ولا أسباب قيامه بذلك السلوك الغريب على طباع الإنسان. لكن بعض المراجع تؤكد وجود هذا السلوك في الإمبراطورية الرومانية،

حيث كان أصحاب الوظائف الرسمية، يحصلون على مبالغ إضافية تقديراً لعملهم، كما كان هناك تقليد متبع في أوروبا في العصور الوسطى، وهو أن كل من يأتي ببشارة وأخبار سعيدة، يحصل على إكرامية.‏

في العصور الوسطى أيضاً كانت هناك حاجة لالتقاء التجار من مختلف الدول والممالك الأوروبية. فكانوا يجتمعون في مكان واحد، وظهرت الحاجة إلى ما يشبه الفنادق، حتى يقيم فيها الغرباء، وفي هذه الفنادق البدائية التي تشبه الخانات الشرقية إلى حدٍّ ما، كان النزيل الذي يدفع مبلغاً زائداً عن الأجرة، ينال مكاناً أكثر راحة من غيره.‏

وفي بريطانيا تعود جذور الإكرامية إلى القرن السادس عشر، وانتشرت عادة لا علاقة لها بالفنادق أو المطاعم، بل كانت مرتبطة بالدعوات الخاصة في المنازل. فحينما يقوم أحد النبلاء بدعوة ضيوفه لتناول الطعام عنده، فإنهم لم يكونوا يغادرون بيته، إلا بعد أن يقدِّموا الإكراميات للخدم، الذين كانوا يصطفون في انتظارها بعد الدعوة.‏

وبعد أن ترسخت هذه العادة، وأصبحت تقليداً متبعاً، بدأ صاحب الدعوة يخفِّض من رواتب الخدم، الذين كانوا يحصلون على الإكراميات بسخاء. بل إن بعض النبلاء لم يجد حرجاً في اقتسام الإكراميات مع الخدم، وفي المقابل أصبح الضيوف يحسبون ألف حساب لهذه التكاليف الباهظة المرتبطة بقبول الدعوة. لذلك جاءت مبادرة من النبلاء في عام 1760م تدعو لوقف الإكراميات، واستمرت المحاولات لسنوات، حتى بدأ هذا التقليد في التراجع، فإذا بالخدم يقومون باضطرابات ومظاهرات في العاصمة البريطانية في عام 1764م، ويعلنون رفضهم تماماً للتخلي عن الإكراميات، التي اعتادوا عليها، وأصبحت مصدراً رئيساً لدخلهم.‏

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فكانت الإكرامية غير معروفة على الإطلاق، حتى عام 1840م، وفي مصادر أخرى حتى الحرب الأهلية في الفترة من 1861 حتى 1865م، لأن المجتمع كان منقسماً بوضوح إلى سادة وعبيد، وكان الاعتقاد سائداً بأن السادة لا يقبلون الإكرامية، والعبيد لا مبرر لمنحهم شيئاً إضافياً. لكن موجة الهجرة من أوروبا بسبب الأزمة الاقتصادية هناك، أتاحت للمهاجرين أن ينقلوا معهم هذه العادة إلى الأراضي الأمريكية.‏

وبعد تحرر العبيد، وجد كثير من السود في المقاهي والمطاعم فرصة ذهبية للعمل الذي لا يتطلب مؤهلات أو خبرات سابقة، وكانوا معتادين على معاملة البيض باعتبارهم طبقة أرقى منهم، وكانوا يقبلون الإكرامية بصدر رحب. لكن بعض الطلاب البيض دخلوا هذا المجال أيضاً، وكانوا يحصلون على إكراميات أعلى من زملائهم السود.‏

وقد صدرت تعليمات للجنود الأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1945م، بمنع تقديم الإكراميات لمواطني الدول التي بقيت فيها القوات الأمريكية. فلجأ الجنود إلى حيلة لتفادي هذه التعليمات، وهي تقديم الهدايا العينية، مثل السجائر والشوكولاتة،.‏

وفي فرنسا كان بديهياً أن يحصل القضاة على عطايا من الأطراف المتنازعة، وكانت الإكرامية في البداية عبارة عن هدايا قيِّمة من المستعمرات الفرنسية، وأهمها التوابل، ثم أصبحت مبالغ نقدية. ولم يكن القضاة يجدون أي حرج في تقبل هذه الإكراميات، التي من المفترض أنها لم تكن تؤثر على أحكامهم، بل كانوا يعتبرونها تقديراً لجهودهم. في كل من ألمانيا وإسبانيا واللغات الإسكندنافية، كانت تسمية الإكرامية مرتبطة بالشرب، فيقال في الألمانية مثلاً (Trinkgeld) أي نقود الشرب. فبعد أن ينتهي العمل، كان العامل ينفق هذه الإكرامية أو على الأقل جزءاً منها فعلاً على من يقدِّم له المشروب. وفي اللغة الإيطالية كان مصطلح «اليد الخيِّرة» مرادفاً للإكرامية.‏

وشهدت الصين، التي لم تكن تعرف الإكرامية أبداً، إقبال السياح الغربيين ورجال الأعمال في فترة الانفتاح النسبي منذ عام 1977م، وحملوا معهم عادة الإكرامية، فصدرت قوانين تمنع ذلك. ثم عادت الإكرامية تدريجاً من جديد في الثمانينيات والتسعينيات.‏

وتكرر هذا الأمر في اليابان وأستراليا وغيرها من الدول التي كانت بعيدة كل البعد عن هذا التقليد،‏

وقد انتشرت في أوروبا شائعات عن عمال الفنادق، الذين إذا لم يحصلوا على إكرامية سخية، فإنهم يضعون علامة على الحقائب، يعرفها عمال الفنادق في العالم كله، فما يكاد النزلاء يصلون إلى أي فندق في أقصى الأرض، إلا واستقبلهم الموظفون بفتور، وعاملوهم بازدراء، وهم لا يفهمون السر وراء ذلك.‏

كما انتشرت حكايات عن انتقام نادل المطعم الذي لا يحصل على إكرامية، مثل وضع شيء في الطعام، أو سكب المياه فوق رأس الضيف، أو فضحه على رؤوس الأشهاد، والصراخ فيه أمام كل الحاضرين، الأمر الذي جعل السياح يدفعون بسخاء خوفاً من هذه المواقف.‏

وفي ميونيخ التي تقام فيها احتفالات أكتوبر التي يحضرها ملايين السياح من داخل ألمانيا وخارجها، كان هناك تقليد متبع، وهو أن يدفع النادل ثمن المشروبات من جيبه الخاص، ثم يحاسب الزبائن، ويحتفظ بالإكرامية لنفسه،‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية