تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعيداً عن الفوضى الخلاقة

دراسات
الاحد 14/8/2005م
بقلم:شادي جابر

تصريحات بلير حول ضرورة معالجة أسباب الإرهاب عبرت عن رؤية جديدة وفهم مختلف عن الرؤية الأميركية وربما بداية تحول في السياسة البريطانية تجاه قضايا الشرق الأوسط وكيفية التعاطي معها.

فتفجيرات 7 تموز في العاصمة البريطانية أعادتنا إلى أجواء 11 أيلول عام ..2001وبغض النظر عن الموقف الرافض لهذا النوع من الأعمال,فإن الحدث يطرح تساؤلات ملحة وجدية عن مدى نجاعة الأساليب والآليات المتبعة في مكافحة هذا الكابوس العالمي..تساؤلات كثيرة على بوش وبلير وأعوانهم وتقديم إجابات واضحة حولها..لأن الكذب والتضليل لم يعد مجدياً وعليهم مواجهة شعوبهم والعالم بالأسباب الحقيقية التي تقف وراء الإرهاب.‏‏

تفجيرات لندن أحدثت ما يمكن تسميته بالصدمة الخلاقة التي عبرت عنها تصريحات رئيس الوزراء البريطاني (طوني بلير) حول ضرورة معالجة أسباب الإرهاب..كما عبرت عن رؤية جديدة وفهم موضوعي مختلف عن الرؤية الأميركية..وربما بداية تحول في السياسة البريطانية تجاه قضايا الشرق الأوسط وكيفية التعاطي معها بعيداً عن أسلوب راعي البقر الأميركي الذي لم يسفر إلا عن المزيد من الفوضى والعنف والإرهاب والدماء..وقد تكون لبنة أكثر ليونة وقدرة على التشكيل في حال اعتمادها من قبل البريطانيين ومن ثم الأوروبيين بعد فشل الأميركيين في معالجة تلك الظاهرة الخطيرة التي تكاد تخرج عن السيطرة وتهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة لا يريد الأوروبيون مجرد تصورها.‏‏

عندما كان بعض المفكرين والسياسيين العرب يطرحون فكرة معالجة أسباب الإرهاب كان الغرب وخاصة الأميركان يرفضون الفكرة كلياً بحجة أنها تبرر هذا النوع من الأعمال وتشجع على القيام بها..وحين تحدث الأمير الوليد بن طلال قبل سنوات عن ضرورة تغيير أميركا لسياستها في الشرق الأوسط أثناء زيارته لتقديم العزاء وتبرعه المالي لأسر ضحايا 11 أيلول..رفض عمدة نيويورك قبول تبرع الأمير كما رفض تصريحاته أيضاً.‏‏

السؤال المطروح حالياً هو إلى متى يمكن أن يستمر هذا الخلل الكبير في سياسات الدول الكبرى,وتلك الانتقائية في تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالقضايا والنزاعات المستمرة والمتصاعدة في الشرق الأوسط..وإلى أين يمكن أن تودي بالمنطقة والعالم..وهل سيبقى الحراك الدولي للضغط على إسرائىل لتطبيق قرارات مجلس الأمن مرهوناً ومكبلاً بضغوط مجموعات اللوبي الصهيوني في أميركا خصوصاً وفي العالم عموماً?‏‏

لحظة الحقيقة التي بدأت بتصريحات بلير يجب ألا تنتهي عند هذا الحد,والمطلوب من قادة الدول الكبرى تبني رؤية بلير (إن كان جاداً) لأنها السبيل الوحيد الذي يجنب العالم الكارثة التي أطلقت شرارتها سياسات واشنطن وصمت وعجز تلك الدول عن ثني الثور الأميركي الهائج عن تلك السياسات.‏‏

مكافحة الإرهاب من خلال الاختراع الأميركي عبر تجييش الجيوش والحروب الاستباقية والإجراءات الأمنية المشددة التي استنفرت حكومات العالم,والأموال الطائلة المخصصة لمكافحة الإرهاب والتي ستكلف دول العالم 191 مليار دولار حسب الدراسة التي أجرتها مؤسسة أبحاث الأمن الداخلي الأميركية..إضافة إلى ما كشف عنه تقرير أعده المعهد القومي الأميركي التابع ل¯ (CIA) عن ارتفاع الهجمات الإرهابية من (651) إلى (3192) حصدت (6060) قتيلاً و(16000) جريح حتى الآن..إيقاف الإرهاب بهذه الوسائل زاد من وتيرته ودفع الإرهابيين إلى تطوير تقنيات جديدة,وعمق الشعور بالفشل والإحباط ولم يجلب إلا الويلات لشعوب العالم.‏‏

إن معالجة أسباب الإرهاب الحقيقية تكمن في رفع الإحساس بالظلم والقهر عن الشعوب العربية والإسلامية نتيجة ازدواجية المعايير,وإيجاد حلول للمشكلات المتفاقمة كالفقر والتخلف والبطالة من خلال دعم مشاريع التنمية والإصلاح في دول المنطقة بدلاً من هدر وضياع مئات المليارات من الدولارات في خطط وإجراءات عقيمة,كخطوة أولى في إيجاد آلية حكيمة وموضوعية تقوم على فهم دقيق وشامل لأوضاع ومشكلات الشرق الأوسط وشعوبه.‏‏

معالجة أسباب الإرهاب الحقيقية تكمن في اتخاذ موقف حازم ومعلن ومتوازن من قادة الدول الكبرى تجاه قضايا المنطقة من خلال تحمل مسؤولياتهم في إلزام إسرائيل بتطبيق قرارات مجلس الأمن الداعية إلى الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام ,1967وإيقاف هذا الجنون الأميركي في العراق وانسحاب قوات الاحتلال منه بعد تسليم السلطة للعراقيين وتركهم يقررون مصيرهم بالطريقة التي تناسبهم.‏‏

الوضع شارف على الخروج عن السيطرة,والبركان بدأ في 11 أىلول وامتد إلى أفغانستان والعراق ووصل إلى أندونيسيا والسعودية والمغرب ومصر وإسبانيا وتركيا..ولن ينتهي بلندن خاصة في ظل استمرار سياسة القطب الواحد وغياب سياسة دولية موحدة ومتوازنة تتحرك على مسافة واحدة من الجميع.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية