حيث يعتبر سن الأربعين وبحسب معظم البحوث والدراسات مرحلةً فاصلةً بين ما قبله و ما بعده بسبب تلك المستجدات البيولوجية والنفسية التي تظهر عليه بشكل واضح، وتختلف أزمة منتصف العمر بين الرجل والمرأة حيث تظهر عند الرجل على شكل انقلاب على الواقع أحياناً لجهة عدم الرضا على كل ما هو موجود فيحاول التغيير دون وعي بذلك، بينما تترجم عند المرأة على شكل انقلاب على الذات جراء تلك التحولات التي بدأت تظهر على شكلها وجمالها وأنُثوتها ما يجعل الأزمة اشد وطأة عليها من الرجل.
السيد أبو ماهر (50 عاما ) قال إن أزمة منتصف العمر حقيقة لا يجب أن ننكرها لما تحدثه من تغيرات في سلوك وتصرفات الإنسان، وهذا ما لاحظه على نفسه منذ سنوات حيث تغيرت نفسيته كثيراً وبات عصبياً جدا في سلوكه وتصرفاته داخل المنزل وغير راض عن شيء في عمله ومنزله حتى أنه لتغيير هذا الواقع عبر محاولة الزواج مرة ثانية من فتاة تصغره بأكثر من 15 عاما.
بدورها قالت السيدة نوال رزق ( 49 عاما ) إن أزمة منتصف العمر بدأت تظهر عندها لحظة شعورها بفقدانها بعضاً من جاذبيتها وجمالها جراء الحمل والولادة، حيث زاد وزنها وكثرت همومها وتضاعف انشغالها بنفسها وجمالها خوفا من فقدانها جاذبيتها وحتى تحافظ على انجذاب زوجها وزميلاتها نحوها.
تختلف بين المرأة والرجل ..
يقصد بـ (منتصف العمر) دخول الإنسان العقد الخامس من عمره تاركاً خلفه مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب، حيث يجمع معظم العلماء على أنه يبدأ من سن الأربعين وينتهي في الغالب في الخامسة والخمسين، ويختلف بين المرأة والرجل حيث تسبق المرأة الرجل في دخول منتصف العمر بعدة سنوات وتسبقه أيضاً في الخروج منه.
لكن السؤال الذي يسبب إشكالية عند البعض، ما الذي يربط بين دخول منتصف العمر وظهور بوادر أزمة نطلق عليها (أزمة منتصف العمر )؟ .. الإجابة على هذا السؤال تقتضي التوقف عند التغيرات التي تصيب الإنسان قبيل وصوله منتصف العمر و التي يمكن تلخيصها بعدة أمور ترتكز على قاعدة أساسية تتمثل بأن الإنسان عند وصوله إلى سن الأربعين فإنه من المفترض أن يكون قد وصل إلى قمة النضج بكل جوانبه وأشكاله، وهذا يعني أن (الوصول إلى القمة )وبحسب طبيعة الأشياء يليه مرحلة هبوط منها، فما الذي يجري للإنسان بعد هذا الصعود ؟.
بعد الأربعين ..
لقد أشارت دراسات كثيرة إلى أن أجهزة الجسم البيولوجية والفسيولوجية تتأثر بتقدم الإنسان بالعمر ويبدأ بالإصابة بالأمراض التقليدية الخاصة بتقدم العمر كأمراض القلب والشرايين والضغط والسكر، هذا بالإضافة إلى الجوانب العقلية والمعرفية التي تتأثر بتقدم العمر كالذكاء والذاكرة، دون أن ننسى الجوانب والسلوكيات الاجتماعية التي تتأثر أيضا، حيث ينخفض مستوى الطموح والدافعية ويظهر نقص واضح في درجة التفاعل الاجتماعي والتي تبدأ بالتأثر تدريجيا.
ويلاحظ علماء النفس أن أبرز ما يَسمُ الإنسان في مرحلة ما بعد الأربعين هو النكوص والارتداد إلى سنوات ما قبل الزواج حيث تنصرف الأم إلى الاهتمام بمظهرها الخارجي كثيرا، كما يتطلع الرجل إلى كثير من الأمور التي لم يستطع الحصول عليها في مرحلة ما قبل الزواج، ويعتقد في كثير من الأحوال انه قادر على الزواج من امرأة شابة حتى يستعيد حياة الشباب والمراهقة، وهو الأمر الذي يفسر إلى حد كبير وقوع الكثير من الرجال بعد سن الأربعين فريسة سهلة للغواية والتضليل.
أزمة وليست مرضاً ..
وتعرف الأزمة كمفهوم ومصطلح على أنها حالة مؤقتة وطارئة وقابلة للمواجهة والحل، وهذا يختلف من إنسان إلى أخر بحسب الثقافة والوعي والتربية، فالبعض يتحمل ويقاوم ويحاول أن يخفي ما يمر به حتى لا يشعر به احد محاولا تجنب الآخرين و الانعزال قدر الإمكان مختلقاً الأسباب والأعذار لذلك، وقد تطول هذه المدة أو تقصر، وهناك من يتعاطى مع هذه الأزمة بكل سهولة وتقبل فيتحدث عنها ويشارك الآخرين بحلها وهو ما يخفف من وطأتها ويساعد في تجاوز تداعياتها وكذلك في حلها بسرعة، وهناك من يهرب منها ويغرق نفسه في عمله ونشاطاته، وهناك من يلجأ إلى المختصين الاجتماعيين والنفسيين طلبا للنصح والمشورة وهذا يعود إلى وعي الإنسان وانفتاحه على الآخرين.
وانطلاقا مما سبق فإن مواجهة أزمة منتصف العمر بكل شجاعة وجرأة يساعد في حلها وتجاوزها بسرعة حتى لا تتحول إلى أزمة طويلة الأجل، لكنها مهما كانت مقدماتها وأثارها ونتائجها سلبية فهي بعيدة على أن تتحول إلى مرض نفسي إلا في حالات نادرة جدا، ذلك أن المرض النفسي يمكن تتبع جذوره منذ الصغر على عكس أزمة منتصف العمر حيث تسير الحياة منذ الطفولة بشكل عادي جداً حتى حدوث ما يمكن تسميته بالتغير والتحول في سلوك وتصرفات الإنسان.
حياة الإنسان ..
ولفهم التغيرات التي تصاحب حياة الإنسان فإن حياة الإنسان تقسم إلى عدة مراحل عمرية بدءا من الطفولة اللاهية المتخمة باللعب، ومرورا بالمراهقة المليئة بالتمرد واللا مسؤولية واللا انضباط ، تليها مرحلة الشباب الغزيرة بالنشاط والنضج والطموحات والأماني، ثم مرحلة تحمل المسؤولية والقيادة الواعية، وانتهاء بمرحلة الاسترخاء انتظارا للمحطة الأخيرة في عمر الإنسان.
وانطلاقا من ذلك فإن عمر الإنسان يتصف بثلاثة خصائص، الأولى بيولوجية تتمثل في الجسد بكل مقوماته والأعضاء ووظائفها المختلفة ثم العقل بأبعاده وتطوراته ثم العلاقة مابين الجسم والعقل التي تختلف من مرحلة عمرية إلى أخرى، أما الخاصية الثانية فهي النفسية انطلاقا من الجوانب الوجدانية والنفسية والانفعالية تسير جنبا إلى جنب مع مراحل النمو الجسمي، أما الخاصية الثالثة فهي الاجتماعية والتي تتمثل في التواصل مع الآخرين بدءا من الأم في مراحل الطفولة المبكرة ثم الأب و الأسرة فالأقران في المدرسة والجامعة ثم الزوجة والأولاد حيث تتسع دائرة العلاقات الاجتماعية باتساع التوجهات ومساحات الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الأفراد.
ويؤكد معظم علماء النفس زن كل مرحلة عمرية تتأثر بما قبلها وتمهد لما بعدها من مراحل العمر كما إن كل مرحلة تمثل مرحلة حرجة بحد ذاتها كونها تحتاج إلى تكيف من نوع جديد يختلف عما كان الفرد قد تعود عليه، حتى أن بعض علماء النفس رأى إن الانتقال من مرحلة إلى أخرى يمثل صدمة في حياة الإنسان الذي يستطيع مواجهة تلك الصدمات بمساعدة والديه منذ الصغر حيث يتشكل لديه مناعة وقدرة على تحمل تلك الصدمات وكلما كان دور الأهل ايجابيا في مساعدة أبنائهم على تحمل الصدمات العمرية زادت قدرة الأبناء على تحمل وتجاوز تلك الصدمات.