أميركا تحاول من وراء هذا التأجيل الفجائي - بعد تسرب معلومات عن توصل جميع الأطراف إلى اتفاق نهائي ينهي الخلاف ويحل الأزمة من جذورها - توسيع وتمديد خياراتها المنتهية الآجال والصلاحية لجهة المناورة والمداورة والمساومة والابتزاز، ليس مع إيران فحسب بل مع حلفائها أيضاً (روسيا وسورية) انطلاقاً من ترابط جميع الملفات، وخاصة أن التوقيع على الاتفاق النووي وإنهاء وطي صفحة الملف النووي بالكامل من شأنه أن يضيق من تلك الخيارات ويحجمها لما سيرتسم على الأرض من معادلات جديدة من شأنها أن تغير الموازين والمعادلات بين مختلف القوى الإقليمية والدولية وقلب الطاولة على كثير من التوابع والأدوات والهوامش - ربما هذا يفسر إلى حد ما سبب الحنق والغضب السعودي والقطري والتركي المتصاعد واستماتة تلك الأطراف في إفشال أي اتفاق بين الغرب وإيران لقناعة تلك الأطراف أن مجرد إتمام هذا الأمر سيسلبهم المزيد من مواقعهم وقدراتهم وتأثيرهم في القضايا الخارجية وسينزع من أيديهم الكثير من الأوراق ووسائل الضغط، وذلك لحاجة الغرب إلى لاعب حقيقي ومؤثر على الأرض بعد أن دُفعوا إلى صفوف الاحتياط بعد فشلهم الكارثي في إدارة المخططات والمشاريع الأميركية على الأرض، لكن هذا لا يعني أن إيران ستملأ فراغهم وستحل مكانهم لجهة اضطلاعها بالمهام والأدوارنفسها، بل العكس تماماً فإن حاجة الولايات المتحدة والغرب لإيران براغماتية محضة تحكمها المصالح والأطماع والظروف، ذلك أن طهران تمثل لواشنطن في هذا الظرف الصعب تحديداً المنقذ الأبرز لها لإخراجها من عنق الزجاجة التي حشرت نفسها فيها، ولمساعدتها في إطفاء ما أشعلته مع حلفائها وأدواتها من حرائق لا تزال ألسنتها المستعرة بصورة مضطردة تهددها في عقر دارها.
على هذا النحو فإنه يمكن فهم ذلك الإصرار الأميركي والغربي على التأجيل الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى إنضاج طبخة الحصى تلك التي يتشارك على تحضيرها الأميركي والفرنسي والسعودي والتركي على الموقد الداعشي، لكن السؤال هو متى ستقتنع تلك الأطراف باستحالة نضج تلك الطبخة التي لا تزال تفور وتغلي على التنور الأميركي منذ نحو أربعة سنوات دون جدوى ؟ ما يوصل إلى قناعة أكيدة بأن الأيام القادمة ستكون حبلى بمفاجآت الإدارة الأميركية التي ستحمل مزيداً من حماقاتها التي سترتد عليها كما سابقاتها.
لكن الإشكالية التي ستزيد من الورطة الأميركية بعد نفاد الموعد الجديد الذي ستنفد على أثره جميع الخيارات الأميركية تكمن في الكيفية والألية التي ستستطيع الولايات المتحدة من خلالها إقناع حلفائها وأدواتها بضرورة التوقيع على الاتفاق والموافقة على حل الملف النووي بالصورة المتفق عليها أي الحل الذي يضمن حق إيران بالنووي السلمي ويحررها بالوقت نفسه من قيود العقوبات، أي ما معناه في نهاية المطاف انتصار إيران وهزيمة الغرب، أم إن الأمور ستنتهي إلى إرغام تلك الأطراف على القبول بالاتفاقية دونما مناقشة نزولاً ورضوخاً عند المصلحة العليا للولايات المتحدة الأميركية.
ما هو مؤكد أن الجانب الإيراني قد حقق انتصاراً كبيراً بعد كل تلك الحرب التفاوضية التي استمرت سنوات طويلة مع الغرب استطاع من خلالها أن يصمد ويواجه مختلف الضغوطات والمناورات والابتزازات، حتى استطاع في نهاية المطاف إرساء مجموعة من الثوابت والقواعد التي لا يمكن بعد هذه اللحظة تجاوزها وإغفالها بل البناء عليها لإنجاز القادم، أبرز تلك الثوابت هي التسليم الدولي النهائي بحق إيران بالتقنية النووية المتزامن مع القناعة الأكيدة والمطلقة من تلك الأطراف بأن الحل لا يمكن أن يكون عسكرياً ، ولعل ما أكده مؤخراً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يلخص ما سبق عندما قال: إن إيران قد حققت انتصاراً عظيماً سواء توصلنا إلی اتفاق أم لم نتوصل إليه لأننا في كلتا الحالتين نكون قد أثبتنا عزمنا الراسخ علی الدفاع عن حقوقنا وتمسكنا بمبادئ التعاون والتعاطي البنّاء.