؛ برامج ضعيفة ومقلدة، مستنسَخَة من برامج غربية، ومع ذلك تُرصَد لها ميزانيات ضخمة، من دون أن يكون لها أي تأثير إيجابي على مستوى الإعلام أو على المواطن العربي. وعلى العكس تماماً، فهي تقدم ما هو سلبي ولا معنى له في كثير من الأحيان.
رهط كبير من المذيعين والمذيعات، بلا أدنى مستوى، يعتاشون على هذه الفضائيات المسماة ترفيهية. ويتجرؤون - فوق ذلك - على إطلاق الأحكام، وتصنيف الناس على هواهم وكيفما يريدون.
ماذا يقدم برنامج «يلا نرقص» المستنسخ عن برنامج غربي يحمل عنوان «so you think you can dance»، أو ماذا تقدم سلسلة البرامج الأخرى من طراز «arab idol» أو «x factor»؟ تلك البرامج التي يتصدرها مطربون ومطربات، يحكمون على جيل جديد من المطربين، فيما هم يحتاجون - وهذا حقيقي - لمن يعترف بهم كمطربين. وهناك برنامج مستنسخ أيضاً - وللحق فهو مثير للاشمئزاز- اسمه «البطل»، مؤسس على ترويج العنف.
عالم إعلامي من المهووسين بالمال والشهرة، لا مكان للمهنية في تفكيرهم أو أدائهم، فهم أتوا أصلاً من مهن بعيدة عن الإعلام، واستطاعوا - بقدرات خاصة - أن يجلسوا وراء الكاميرات، ويجلدونا بكمّ هائل من الأداء المبتذل والضحكات المصطنعة والضيوف السمجين.
لست ضد الترفيه بالتأكيد، ولكن هل يجوز أن تبث قناة على مدى 24 ساعة برامج للتسلية لمجرد التسلية، لعالم عربي مأزوم من رأسه إلى ما تحت أخمص قدميه، وغارق في مستنقع من الجهل والألم؟
بعد العبارات التي كتبتها، صرت متهماً فوراً بأني شخص نكد وكاره للفرح وحاقد على الذين يستمتعون بحياتهم في هذا العالم. لست كذلك بالتأكيد، ولست كارهاً أيضاً، وإنما يحق لي أن أطلب من هذا الإعلام الترفيهي والجامع للمال، أن يقدم في المقابل شيئاً مفيداً، ينفع إنساننا العربي، الذي يرتع مع عدة شعوب تشبهه في أسفل القائمة العالمية للقراءة والثقافة.
الترفيه ليس ترفاً، وليس عاراً أو شيئاً مبتذلاً أبداً، إنه واجب إعلامي، ولكن أن يترافق أيضاً بالمعرفة والجدية. وهذان شيئان غير متناقضين.
ربما يكون مثالي عن الإعلام المتوازن والمفيد هو قناة التربوية السورية، التي تقدم برامج تجمع ما بين الفائدة والمتعة، وتحترم عقل المشاهد وتعرض له معلومات بطرق بسيطة وسلسة.
«نظرة إلى الغد» برنامج على التربوية السورية، هو مزيج من التقديم والشرح والمادة المصورة، يتحدث عن الاختراعات وفائدتها، وآفاق تطويرها واستثمارها مستقبلاً. يستعرض البرنامج الأجهزة التي تم اختراعها مع تعليق علمي دقيق وموثوق. ويطرح برنامج «أعلام ومفكرون» سلسلة من أعلام الفكر والثقافة، يتناول حياتهم وإبداعاتهم وتأثيرهم في تغيير العالم وتطويره. وفي البرامج الأخرى مثل: «مجلة العلوم» و»حكايا المحيط» و»قصص مفعمة بالحياة»، نجد الفائدة والمعرفة، من دون أن نشعر بالملل. إضافة إلى ذلك تبث القناة الدروس التعليمية للصفوف الأساسية والثانوية، يقدمها أساتذة متخصصون، ويفيد منها الطالب في دراسته كدروس خصوصية مجانية.
البرامج هنا هي جرعات من المعرفة، مقدمة باحترام لمشاهد يدرك من يحترمه ويقدره طفلاً كان أو كهلاً. ولذلك فإن الجهد الذي يبذله القائمون على القناة كبير، مؤسس على منهجية ودراسة وافية، من حيث الفائدة والتنوع وطريقة تقديم المعلومة.
وإذا نظرنا إلى المقابل المادي للقناة، فهي لا تتلقى أي مكسب مادي لقاء برامجها، إذ لا تقوم القناة بإغراء المشاهد للقيام بحملة اتصالات مكثفة ليربح مبلغاً، إنما تهدف إلى توعية جيل من أبنائنا، وهو مكسب أكبر بكثير من المال.
منذ مدة قصيرة قرأت كتاباً بعنوان «أسرار البورصة»، وقد أعجبت بتحليل كاتبه لاقتصاد اليوم، وقد فرّق فيه بين التجارة والاستثمار، إذ إن التجارة تستهدف الربح فقط، فيما الاستثمار يحتمل الربح والخسارة، والاستثمار أسمى من التجارة من حيث مشروعيته الإنسانية.
إن الإعلام غير الهادف، هو تجارة رابحة لأصحابه يملأ جيوبهم بالذهب، أما إعلام المعرفة، فهو استثمار لا يهتم للمال - ولنقل إنه خاسر مادياً، ورابح على مستوى نشر المعرفة، وبناء قاعدة من الوعي المستقبلي.