مالية دمشق التي كانت تؤمن في سنوات ما قبل الأزمة 45% من الإيرادات الضريبية العامة أصبحت اليوم تؤمن ما يقارب 70% من هذه الإيرادات وهي زيادة ليست متأتية من نشاطها خلال الأشهر الأخيرة بل هي متأتية من خروج الكثير من الفعاليات الاقتصادية والتجارية في المحافظات الأخرى من دائرة النشاط وبالتالي من دائرة التكليف الضريبي، وفي الوقت نفسه استقرت في دمشق فعاليات أخرى دون أن يكون لها أثر يذكر فعلا في حصيلة الإيرادات الضريبية .
الظروف الحالية تحتاج لجرأة في اتخاذ القرار كما تحتاج لنظرة واقعية للأمور فالخزينة مثقلة بإنفاق لا يحتمل الانتظار من الرواتب والأجور وخدمات الصحة والتعليم والخدمات العامة للمجتمع وفي الوقت نفسه تتعامل مالية دمشق مع الظروف وكأنها مساحة للاسترخاء، فحتى اليوم لم نسمع عن تصنيف جديد قامت به هذه المديرية اللهم إلا التصنيف الذي تتمه كل عام وحدة كبار المكلفين فيها والتي يبدو أنها الجهة الوحيدة في مالية دمشق التي تدرك دقة المسألة وتتعامل بحسم وديناميكية -في الوقت نفسه- مع كل ما يتصل بحقوق الخزينة العامة للدولة، وحتى اليوم لا يزال التصنيف العام للمكلفين في دمشق هو هو دون تغيير يذكر في نطاق عمل مالية دمشق بالرغم من أن المواطن العادي قادر على سرد قائمة بأسماء أشخاص أثروا في فترة الأزمة وباتوا يشكلون بأنفسهم ونشاطاتهم مطارح ضريبية مهمة ويترتب في ذمتهم حق لسورية وخزينتها العامة.
المشكلة الأساسية هنا هي أن تحفيز المكلفين وترغيبهم بالسداد لا يعني ترك الحبل على الغارب ولا يعني غض البصر لسبب أو لآخر، فحتى اليوم لم نسمع عن إجراء حقيقي اتخذ بحق مكلف امتنع أو أهمل سداد مستحقاته الضريبية والمقصود هنا هو مكلف من العيار الثقيل وليس مكلفاً عادياً من الطبقة التائهة بين محدودي الدخل ومقبولي الدخل، في وقت يعلم فيه كل متابع للشأن المالي أن الأكثر التزاما في تسديد ضرائبهم هم محدودو الدخل وان أهم إيرادات ضريبية تدخل الخزينة العامة للدولة هي إيرادات ضريبة الرواتب والأجور والتي تشكل مع الرسوم الجمركية رافداً أساسياً للخزينة.
لعل من المنطقي لمديرية مالية دمشق أن تدخل بندا جديدا إلى بنود جدول أعمال الاجتماع الأسبوعي لكوادرها ومديريها عنوانه البحث عن إيرادات جديدة للخزينة وإيجاد مطارح ضريبية جديدة لها حتى يستحق فريق مالية دمشق ما يقبضه من حصص توزع سنويا كمكافآت من الحصيلة الضريبية العامة أو على الأقل إلغاء هذه الحصص وإبقاءها في الخزينة توفيرا للمال العام أسوة بالعمل الإضافي الملغى لموظفي المصارف العامة حتى من يعمل منهم خارج أوقات الدوام الرسمي في صيانة وتغذية الصرافات الآلية أو على الأقل حتى يكون الجزاء من جنس العمل في مالية دمشق، وهو ما يفترض ان ينسحب على القطاعات الأخرى أيضا.
الدكتور مظهر يوسف من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق وتعليقا على ذلك قال ان التهرب الضريبي معروف وقائم وبنسب عالية ولا سيما في الفترة الحالية تبعا للظروف العامة السائدة مؤكدا أن مسؤولية مكافحة التهرب الضريبي ومحاسبة الفعاليات الاقتصادية المتهربة تقع على عاتق المالية مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تطبيق إجراءات أخرى موازية مثل العقوبات على عاتق كل مكلف يمتنع عن سداد المستحقات الضريبية المترتبة في ذمته.
وبحسب يوسف فإن ما يحفز الفعاليات الاقتصادية كالتجار على عدم السداد هو الإعفاءات المتتالية التي يحصلون عليها فاليوم إعفاء وغدا واحد آخر وبالتالي يمتنع التاجر عن السداد وهو يعلم علم اليقين انه إن لم يسدد فما من عقوبة بل إعفاء تلو إعفاء فلماذا يسدد والحال كذلك..!! مقترحا في الوقت نفسه إعادة صياغة الإعفاءات -في حال كان من إعفاءات مقبلة- بحيث يستفيد المكلف إن بادر إلى السداد، أما إن لم يبادر فعقوبات وجزاءات تطوله ومن هنا -بحسب الدكتور مظهر يوسف- تكون نقطة الانطلاق للجهات المالية في تفعيل قوانين الجباية العامة بعقوباتها وجزاءاتها لتردع المخالفين، وعدم انتظار المكلفين ولاسيما في مراكز المدن كونها في حالة راحة واستقرار وأمان والعمل فيها يسير بشكل طبيعي والربح - كذلك - يتراكم تبعا لسير العمل (مثل دمشق) وبالتالي فإن رفض أي مكلف فيها وبالأخص التجار ورجال الأعمال غير مبرر ويستوجب العقوبات الرادعة لأن الضريبة حق عليه وهو جزء يسير جدا بل هامشي مما يحققه من أرباح تتراكم يوما بعد يوم وعلى امتداد سنوات وأشهر وأيام الأزمة، ولاسيما ان هذه الفعاليات التجارية والاقتصادية مستمرة في العمل في مراكز المدن كونها تربح وتربح الكثير ولا تعمل على أساس التطوع.