ورغم أهمية الحدثين لما لهما من رمزية كبيرة في العالم الإسلامي والعربي إلا أنهما كانا الغائبين الأكبرين عن الأجندة الإسلامية والعربية ، الى حدود التساؤل الموجع والمفجع عن أسباب هذا الغياب الذي بدا في معظم أوجهه تغييبا مقصودا لأسباب لم تعد خافية على احد تلتقي جميعها تحت عنوان عريض شقه الأول تغييب القضية الفلسطينية بشكل كامل عن الساحة الدولية وصولا الى حالة التذويب والانحلال التي تضيع معها المعالم الأساسية للقضية الفلسطينية ، اما شقه الثاني الذي يستمد معناه ورشاقته من الأول فهو إعادة رسم خارطة المنطقة بما يتناسب مع طموحات دول الاستعمار الجديد التي تحاول خلق واقع جديد في العالم العربي قائم على توازنات مستحدثة سمته الأساسية خلوه من كافة الأركان المقاومة والرافضة للاحتلال والتبعية والاستعمار.
ذلك التغييب المقصود الذي تترأس نسجه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبمشاركة وتغطية عربية شبه كاملة يشكل أكبر مكافأة لإسرائيل منذ وجودها ، كونه ليس إلا امتدادا للسياسات الإسرائيلية الاحتلالية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني التي تهدف الى اغتيال القضية الفلسطينية ونزعها من جذورها ورميها في سجلات الماضي والتاريخ .
إسرائيل استغلت هذا التغييب المقصود للقضية الفلسطينية لمواصلة سياساتها التهويدية والاستيطانية والعنصرية والإرهابية في الأراضي المحتلة سعيا الى خلق واقع جديد وتحديداً في القدس المحتلة بهدف محاصرة وقتل حلم الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ، حيث قامت مؤخرا بإصدار عدة قوانين وقرارات لتحقيق هذا المبلغ ، في مقدمة تلك القرارات قرار للشروع بتطبيق قانون أملاك الغائبين الذي استصدر في العام 1950 ليشمل الممتلكات المحجوزة من قبل المؤسسات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة.
ويذكر ان قانون أملاك الغائب كان محاولة لإضفاء الصفة القانونية على سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية تدريجيا، حيث يمنح “القانون” الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب “الحق” في الاستيلاء والإدارة والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرفون « كغائبين»،ويمكن القول إن تطبيق قانون أملاك الغائبين وغيره من القوانين الإسرائيلية الجائرة قد أدى إلى سيطرة إسرائيل على القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا إلى خارج فلسطين إثر نكبة عام 1948، وكذلك الغائبون الحاضرون، وهم اللاجئون المحليون الذين يقيمون داخل الخط الأخضر في قرى ومدن غير قراهم ومدنهم الأصلية، حيث يمنح القانون المذكور الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب “الحق” في الاستيلاء والإدارة والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرفون “غائبين”.
ومن القرارات الخطيرة التي اصدرتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا تلك الاوامر التي أصدرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيسان الماضي لإقامة بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية دون الحصول على ترخيص وأوامر قضائية من أجل إسكان المستوطنين ، حيث ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية أن الأوامر العسكرية التي صدرت من نتنياهو من شأنها الإسراع في البناء الاستيطاني دون انتظار قرارات لجنة التنظيم والبناء الاستيطانية.
القرارات والإجراءات الاحتلالية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحديدا في مدينة القدس ، تزامنت وترافقت مع سلسلة من عمليات التهويد والاستيطان على الأرض والتي تصاعدت بشكل غير مسبوق خلال العام الماضي والجاري ، وهذا ما أظهره تقرير لمؤسسة (معا ضد الاستيطان ) صدر منتصف العام الجاري حيث أشار التقرير الى مضي الاحتلال في سياساته الاستيطانية التوسعية موضحا حجم الانتهاكات الصهيونية الصارخة لأبسط قواعد ونصوص القوانين الدولية .
وأكد التقرير ان سلطات الاحتلال الإسرائيلي صادرت خلال الثلث الاول من العام الجاري أكثر من3585 دونماً تعود ملكيتها لفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية .
ونقلت وكالة الصحافة الفلسطينية «صفا» عن التقرير إن سلطات الاحتلال صادرت خلال كانون الثاني الماضي نحو 13 دونماً تعود ملكيتها لأهالي منطقة وادي الجوز في القدس المحتلة كما صادرت في الثالث من نفس الشهر 169 دونماً من أراضي أهالي قرية سكاكا قضاء سلفيت في حين صادر الاحتلال بعدها بيوم واحد 50 دونماً من أراضي قرية وادي النيص قضاء بيت لحم.
وأشار التقرير إلى أن الاحتلال وضع يده على 1161 دونماً من أراضي المدينة المقدسة بغرض توسيع جدار الفصل العنصري الذي يمر في المنطقة كما صادر 120 دونماً من أراضي منطقة وادي رحال في بيت لحم وصادر في بلدتي شعفاط وبيت حنينا في القدس في 17 كانون الثاني الماضي117 دونماً وفي 19 من الشهر نفسه صادر 76 دونماً من أراضي قرية الخاص قرب بيت لحم.
كما بين التقرير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي صادرت في شباط الماضي 431 دونماً من أراضي قرية نحالين قضاء بيت لحم و68 دونماً في قرية الجعبة وفي بلدة يطا قضاء الخليل بالضفة الغربية صادرت سلطات الاحتلال 30 دونماً من أراضي القرية و 21 دونماً من أراضي قرية قراوة بني حسان.
وفي أكبر عملية استيلاء على الأراضي الفلسطينية منذ بداية العام الجاري صادرت سلطات الاحتلال في آذار الماضي 1235 دونماً من أراضي قرية الولجة القريبة من القدس لإقامة ما يسمى بحدائق وطنية في إطار مخطط استيطاني يستهدف الأراضي الغربية المحيطة بمستوطنة غيلو فيما صادرت في نيسان الماضي أكثر من 10 دونمات في بلدة يطا في الخليل وفي بيت لحم استولت على 60 دونماً في بلدة تقوع.
في سياق متصل قال مركز «القدس» للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في تقرير له صدر بنفس الشهر إن هذا العام شهد الإعلان عن المزيد من مشاريع البناء الاستيطاني ومصادرة أراضي المقدسيين لمصلحة مشاريع استيطانية، وكشف التقرير أن اللجنة المحلية للتخطيط والبناء في بلدية الاحتلال في القدس المحتلة قد منحت تراخيص لبناء 55 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة «جبل أبو غنيم» جنوب القدس ضمن ما يعرف بالمخطط «ب» في تلك المستوطنة والمتضمن بناء 4000 وحدة استيطانية، علماً بأنه تم حتى الآن بناء 3000 وحدة استيطانية، كما يشمل المخطط إقامة ممرات للمشاة ومسالك للدراجات الهوائية بالإضافة إلى تخصيص مساحات كمواقف للسيارات وإنشاء بعض المباني العامة ومركز سياحي ومطعم.
وأكد التقرير أن سلطات الاحتلال وزعت إخطارات على مقدسيين في بلدة العيزرية شرق القدس تقضي بمصادرة مساحات واسعة من أراضي البلدة لمصلحة طريق يسمى «نسيج الحياة» الاستيطاني.
ويتزامن تنفيذ المخططات الاستيطانية وبناء مستوطنات جديدة في القدس مع مخطط آخر خطي يقضي بترحيل 27 ألف مواطن فلسطيني من العائلات الفلسطينية المقدسية التي تقطن في المناطق التي تقع في غلاف القدس، وحذر التقرير من مخطط جديد يجري تنفيذه لفصل مدينة القدس عن الضفة الغربية من خلال إحاطتها بكتلة استيطانية تحتوي على 6000 وحدة استيطانية وإحكام السيطرة عليها بالحزام الاستيطاني.
يأتي ذلك فيما صدقت لجنة التنظيم والبناء في بلدية الاحتلال بالقدس المحتلة في أيار الماضي على خرائط لإقامة فندق يهودي في الحي الاستيطاني المسمى «جفعات همطوس» جنوب مدينة القدس المحتلة.
وقال صحيفة «هآرتس» العبرية إنه سيتم بناء الفندق الذي سيحتوي على 1100 غرفة على تل يقع قرب بيت صفافا وطريق الخليل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقدس عام 1967.
يأتي قرار بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة بعد إقرار سابق لبلدية الاحتلال بإقامة 2610 وحدات استيطانية كمرحلة أولى في المنطقة ذاتها من مدينة القدس.