تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نافذة.. لبنان.. وفلسفة النأي بالنفس

آراء
الخميس 30-8-2012
سليم عبود

في ثقافة السوريين، وفي وجدانهم الوطني، والقومي، والنضالي «سورية، ولبنان» شعب واحد في بلدين، وهذه حقيقة صنعها التاريخ، ودماء تجري في العقول، والقلوب، والعواطف، والمشاعر، قبل سريانها في العروق،

وانطلاقاً من هذه الثوابت ظلت علاقة سورية بلبنان قوية، صلبة، تزيد في عمقها وثباتها وديمومتها تضحيات قدمتها سورية حرصت من خلالها على وحدة لبنان، واللبنانيين واستقلالهم، وتعزيز سيادتهم على أرضهم وعلى قرارهم الوطني.‏

فلسفة النأي بالنفس، أو كما يطلقون عليها «سياسة النأي بالنفس»، لم تكن يوماً في قاموس العلاقات السورية اللبنانية، أو على الأقل في قاموس السوريين الذين اعتبروا للأرض اللبنانية القداسة نفسها للأرض السورية.‏

لقد كان دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 تلبية لنداء لبناني، ولواجب قومي بهدف وقف نزيف الدم جراء الاقتتال الطائفي المشتعل آنذاك بين اللبنانيين.‏

يوم دخلت القوات الإسرائيلية بيروت عام 1982، لم تجد بيروت من يدافع عنها سوى الجيش السوري، تخاذلت كل الأنظمة الخليجية والعربية التي تدعي اليوم حبها للبنان، لقد باركت احتلال بيروت كما باركت بعد سنوات احتلال بغداد، والعدوان على لبنان وغزة، ولم تسمح تلك الأنظمة لشعوبها الغاضبة بالتظاهر، ولم تدع لعقد اجتماع واحد للجامعة العربية للتنديد باحتلال عاصمة لبنان «بيروت» كما نراها اليوم تتحرك في الموضوع السوري.‏

سورية على مدى عقود لم تبخل بالجهد والسلاح والدم في دعم المقاومة اللبنانية في كل معاركها التي توجت بانتصارات تموز عام 2006 على الجيش الإسرائيلي.‏

ولم تدر سورية يوماً ظهرها للبنان، كما فعل مشايخ النفط، أبطال التآمر على سورية، وأبطال تمرير المخطط الأميركي بتحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع عربي عربي، وإسلامي إسلامي.‏

وعلى الرغم من كل تلك التضحيات التي قدمتها سورية، ينهض فريق لبناني مرتبط عربياً واقليمياً ودولياً بمشروع إسقاط الدولة السورية، متجاهلاً الدماء السورية التي سقت استقلال لبنان وسيادته، ومنعت إلحاقه سياسياً بالكيان الصهيوني، هذا الفريق اللبناني، نقرأ في تصرفاته وتصريحاته الإعلامية وفي مواقفه أنه عنصر مهم في مخطط شيطاني يستهدف الدولة السورية أرضاً، ومناعة، ومقاومة، وقدرة على مواجهة المشروع الصهيوني الأميركي.‏

لبنان اليوم بات أرض المؤامرة على سورية، والخاصرة الرخوة الموجعة، ووكراً للمخابرات الأميركية والغربية والإسرائيلية والخليجية التي تدير من الشمال اللبناني حركة عبور الإرهابيين، والسلاح بكل أنواعه إلى الداخل السوري.‏

في ظل المؤامرة الراهنة في سورية، يشعل هذا الفريق المتآمر الفتن الطائفية في الشمال اللبناني، ويحاول تحويل الحدود البرية والبحرية مع سورية إلى منافذ للقتلة، وللسلاح، والأحقاد، والفتن، وهذا الشمال كان وما زال يعيش على المائدة السورية.‏

في وادي خالد، كان الناس منسيين، وخارج سجلات القيد اللبناني، سورية هي التي أدخلتهم سجلات القيود اللبنانية، وهي التي تركت لهم الحدود المفتوحة لتعليم أولادهم في المدارس السورية، وتطبيبهم في المشافي السورية، وللحصول على الكساء الرخيص، والغذاء الرخيص، والنفط والمواد التموينية المدعومة من الدولة السورية.‏

بدلاً من شكر سورية، جاء فريق الرابع عشر من آذار لتحريكهم ضد الدولة السورية، بإغرائهم بالمال، وتضليلهم بالفكر الوهابي.‏

في ظل سياسات هذا الفريق اللبناني، وضعف الموقف اللبناني الرسمي، تهان العلاقات التاريخية التي تربط البلدين «سورية ولبنان»، وتهان مشاعر الشعبين.‏

إن القوات اللبنانية، وأطراف مجموعة «14» آذار، لا تعتبر «إسرائيل» عدواً، ففي الخفايا لقاءات، وتنسيق مع الإسرائيليين لتمرير ما تريده «إسرائيل» لتحويل لبنان إلى ممر للمؤامرة على سورية وعلى القوى الوطنية في لبنان، وتتجلى مظاهر هذا التوافق والتعاون بين بعض اللبنانيين و«إسرائيل» وأميركا وقوى اقليمية في العمل على ضرب العلاقات التاريخية السورية اللبنانية، ونشر ثقافة الكراهية تجاه الشعب السوري، والدعوة لتجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها، وإلغاء اتفاقيات التعاون القائمة بين سورية ولبنان، لتعود «إسرائيل» إلى لبنان من نافذة اتفاقية مماثلة لاتفاقية «17» أيار لعام 1983 التي كانت تسمح بوضع لبنان تحت الوصاية الإسرائيلية.‏

يؤلم السوريين اليوم أن يقف لبنان موقفاً سلبياً من سورية «الدولة والشعب» ويؤلمهم أن تتحول الحدود المشتركة بين لبنان وسورية إلى مأوى، ومنطلق للإرهابيين لقتل السوريين وسفك دمائهم، واغتصاب أعراضهم، وتهديم منازلهم وتدمير بنيتهم الاقتصادية والاجتماعية.‏

يؤلم السوريين أن يصول ويجول سفراء بعض الدولة العربية، وبعض سفراء الدول الغربية وخاصة سفيرة الولايات المتحدة بكل وقاحة على الجهات، والأوكار، والمقرات، التي تضم الإرهابيين والجهات المعادية لسورية، في وقت ترتفع فيه صيحاتهم لطرد السفير السوري من لبنان.‏

هل هذه هي سياسة النأي بالنفس؟!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية