إن أخذنا دول العالم ككتلٍ قارّية، ولكن إن أخذنا الأمور بالتفاصيل التي من شأنها تحقيق المصلحة الاقتصادية والوطنية السورية فإن هذا التوازن لا يلبث أن يضطرب ويأخذ مساراً معاكساً.
لقد أثبتت الوقائع اليوم من جديد أنَّ الكفاءة الاقتصادية – على أهميتها – لا يُعوّلُ عليها وحدها.. ولا تعني شيئاً أصلاً إن لم تكن متلازمة مع المصلحة الوطنية المدروسة والمؤمَّن عليها وعلى استمراريتها، فإن ما يلزمنا هو الحدُّ الجيد الممكن من الثقة مع من نتعامل معه.
على كل حال توزّعت هذه المليارات التي أُنفقت على مستوردات العام 2010 على النحو التالي: فقد استوردت سورية من الدول العربية بأكثر من ( 120,5 ) مليار ليرة سورية، حسب جداول ومعطيات المكتب المركزي للإحصاء، في حين استوردت سورية من الدول الأوربية بأكثر من ( 332 ) مليار ليرة سورية، ليس منها سوى ( 51,2 ) مليار ليرة تم استيرادها من روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى ( 52 ) ملياراً و ( 439 ) مليون ليرة من أوكرانيا، في حين تم استيراد بقيمة تصل إلى أكثر من (117,1) مليار ليرة سورية من أعتى الدول الأوربية التي تناهض سورية وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، ومن دول القارّة الأوقيانوسية تم استيراد سلع بقيمة ( 3 ) مليارات و ( 210 ) ملايين ليرة سورية، أما من البلدان الأمريكية الشمالية والجنوبية فقد تم استيراد سلع ومواد بقيمة ( 77 ) ملياراً و ( 574 ) مليون ليرة سورية، منها سلع ومواد بقيمة ( 26 ) ملياراً و ( 441 ) مليون ليرة سورية من الولايات المتحدة الأمريكية..! فيما لم نستورد من فنزويلا سوى بقيمة ( 110 ) ملايين ليرة سورية..!
أما بلدان آسيا كلها فلم نستورد منها سوى بقيمة ( 271,5 ) مليار ليرة سورية كان منها ( 77,3 ) مليار ليرة من تركيا، فيما استوردنا من البلدان الأفريقية فقط بقيمة ( 3 ) مليارات و ( 263 ) مليون ليرة سورية.
في الواقع إن من ينظر إلى مصادر التشكيلة السلعية في سورية بمختلف أصنافها وأنواعها القادمة من تلك الدول في مختلف القارات يدرك تماماً أننا يمكن وبسهولة استدراك ما نحن فيه، من خلال الاستغناء عن السلع والمنتجات الأوروبية الغربية وكذلك عن منتجات الولايات المتحدة الأمريكية، ومختلف الدول السائرة في فلكها، كما يمكننا السعي لدى بعض الدول الأخرى في أوروبا الشرقية وآسيا وأمريكا الجنوبية لنستعيض منها عن مختلف السلع والمنتجات المُستغنى عنها.
نحن نعرف أن مثل هذا الكلام يستلزم جهوداً ضخمة ومضنية، فهو يعني بالنهاية تحويل أكثر من نصف مستوردات سورية عن مسارها الحالي حيث تصل قيمة المستوردات بمختلف أنواعها وأصنافها من أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة إلى ( 425 ) مليار ليرة سورية، في عام 2010 وهي ربما تكون قابلة للازدياد طبعاً في الأعوام القادمة ضمن الظروف العادية والطبيعية.
في الواقع إن مجرد تجميع العلاقات التجارية في هذه الكتلة الغربية المتجانسة لتصل إلى هذا المستوى العالي وإلى مثل هذه المبالغ الضخمة، فإنه بحدّ ذاته ( التجميع ) يُشكّل خطراً محدقاً، وهو أشبه بمن يجمع البيض في سلة واحدة فيقع تحت تهديد المخاطر، وعند أول صدمة للسلّة لا يلبث ذلك البيض إلا وأن يتكسّر، مثلما يحصل معنا اليوم في ظل هذه الأحداث الدائرة في سورية حالياً، فهذه الدول طوال تاريخها أشبه بالوحوش المفترسة لايؤتمن جانبها، فلماذا هذه المجازفة كلها..؟! فما الذي يضطرنا لأن نستورد من ألمانيا بأكثر من ( 34 ) مليار ليرة في عام 2010..؟! ومن فرنسا بأكثر من ( 16 ) مليار ليرة..؟ ومن بريطانيا بأكثر من ( 7 ) مليارات ليرة..؟ ومن إيطاليا بنحو ( 60 ) مليار ليرة..؟ ومن الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من ( 26 ) مليار ليرة، ومن كندا أكثر من ( 3 ) مليارات ليرة..؟ وما إلى ذلك من الدول الأوروبية الأخرى.
إننا ندرك حجم التقنيات الضخمة التي تمتلكها هذه الدول، وهذا ما يدفع قطاع الأعمال والقطاع العام أيضاً لاقتناء هذه التقنيات والتداول والتجارة بها، ولكن هذا لا يعني فعلياً أن الله قد خلق تلك الدول الغربية والأوروبية ولم يخلق غيرها، فإن جميع تلك التقنيات نجد ما يماثلها في أسواق معظم دول أوروبا الشرقية الصديقة، كروسيا الاتحادية وروسيا البيضاء وأوكرانيا وألبانيا، وكذلك في أسواق العديد من الدول الآسيوية الصديقة كالصين والهند وماليزيا والباكستان وإيران وما إلى ذلك، وهذه الدول كلها تغنينا عن الدول الغربية بالكامل إذ تتوفر فيها من الأبرة إلى الطائرة فماذا ننتظر..؟
إن تشكيلة التقنيات والصناعات الروسية كافية ووافية، وكذلك التشكيلة الصينية وهي ليست كافية ووافية فقط بل غريبة وعجيبة، إنهم يبحثون عن شيء غير مصنوع ليصنعوه، لم يدعوا شيئاً قابلاً للصناعة في هذا الكون إلا وصنعوه، أما الهند فلديها صناعاتها المتميزة أيضاً ولاسيما صناعة البرمجيات والألكترونيات التي صارت تضاهي فيها أعتى دول العالم في مثل هذه الصناعات، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران وماليزيا والباكستان وغيرها الكثير، فهل من المعقول أن لا نستورد من الصين أكثر مما قيمته ( 71,4 ) مليار ليرة..؟ ومن إيران فقط ( 14 ) مليار ليرة ونيف..؟! ومن الهند ( 19,4 ) مليار ليرة..؟ والباكستان فقط ( 107 ) ملايين ليرة..؟ ومن ماليزيا فقط ( 6,4 ) مليون ليرة..؟!!
على الرغم من ضعف مستورداتنا من هذه الدول العزيزة الصديقة فإننا لانعدم وجود موطئ القدم هناك وأكثر من موطئ قدم من بعضها وهذا ما يسهّل عملية تعزيز علاقات التعاون الحقيقية والمضمونة، وما يسهّل أيضاً تحويل تلك المليارات الضخمة الذاهبة إلى خزائن الدول الأعداء عن مسارها فالطريق أمامها معبّدة ولا تحتاج إلا إلى عزيمة وإقدام، واقتناع بالحقيقة والابتعاد عن التمسك بحبائل الوهم.