تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«العين الكونية»

معاً على الطريق
الخميس 30-8-2012
لينا كيلاني

في المدن الكبيرة حيث الكثافة السكانية، وحيث تفرد الحضارة الحديثة أجنحتها على كل الأرجاء، تقع أمور لم تكن بالحسبان. صحيح أن الإنسان هو الإنسان فوق أي أرض، وفي كل زمان لكن معطيات جديدة أصبحت تحكم حياتنا وتوجهها في مسارات لم نكن لنعرفها من قبل.

تشير الإحصائيات الى أن معدل الجريمة أصبح أكثر انتشاراً واتساعاً في العالم كله، ولو أن ذلك يقع في نسب متفاوتة حسب الثقافات، والمعتقدات، والأوضاع الاقتصادية، والسياسات السائدة، لكن أمراً واحداً أصبح متفقاً عليه هو أن الجريمة قد تكون في أي مجتمع وتحت أي من الظروف القائمة.‏

ممارسات غير مقبولة لا تبدأ بتسلق جدار أو تمثال في حديقة عامة لترمى فوقه علب الألوان، ولا تنتهي تلك الممارسات باقتراف جرائم السرقة واللصوصية. فما العمل إذن في ردع الأفراد إن لم يكن الرادع الحقيقي يتشكل ذاتياً؟ لابد إذاً من عين ما تراقب وتزجر عندما يلزم الأمر.‏

تلك العين لم تكن أكثر من عين للكاميرا بثتها إحدى الدول الغربية في أرجاء المدن وبكثافة تعادل عيناً لكل أربعة عشر مواطناً من مواطنيها.. ترصدهم وتتبع تنقلاتهم.. وتسهر لتلتقط همس مؤامراتهم.. أو تسلل خطواتهم بعيداً عن الأعين الحقيقية للبشر. ولكن تلك العين لا تكتفي بأن تشاهد أو تنقل الصورة الى مراكز استقبالها لدى الأجهزة المعنية بل هي عين ناطقة، وكاميرا متحدثة ما إن تلمح شخصاً يخرج عن حدود الضوابط والقوانين حتى تصدر صوتها محذرة ومتوعدة وبأوامر واضحة زاجرة ناهية. فلربما ذاك الفاعل الذي التقط شيئاً مثلاً من ممتلكات الشارع يعيده إليه بهدوء وينسحب وكأنه لم يكن في نيته هذا الفعل.. وإذا أيضاً بهؤلاء الصبية يتراجعون ربما عن تحطيم زجاج واجهة أحد المحلات التجارية محاولين مد أيديهم الجائعة الى ما يقبع داخل المحال من بضائع.‏

تقنية متقدمة.. ومحاولة متطورة.. أثمرت نتائج ايجابية في تراجع معدلات الجريمة على اختلاف أشكالها وألوانها في تلك المدن المزروعة بكاميرات المراقبة وهي من نوع خاص وجديد.‏

ولكننا نتساءل: هل أصبح الإنسان لا يتراجع عن خطأ ما إلا إذا نظرت إليه عين مجهولة متوعدة؟ وإن كان الأمر كذلك فإن العين الكونية عين الله قائمة في دواخلنا كما في كل العوالم من حولنا. عين كونية تراقبنا وتتبع ارتباطنا بشرائع السماء.‏

ما نظن أن كل رادع هو كافٍ ما لم يكن أصيلاً ونابعاً من قناعات كل منا.. كاميرات تزخر بها شوارع تلك المدينة، ومدن اخرى ربما في المستقبل القريب، لكن الناس يعودون من الشارع الى بيوت وأبنية يغيبون وراء جدران لا تطولها الكاميرات، أي منها العادية التي تكتفي بالتقاط الصور ولا تلك التي تنطق بما لا يحب المفسدون.. فأين الرقيب إذاً وأين الحسيب ما لم تكن عين الله في الأذهان والوجدان قبل أن يعبث الإنسان في المكان؟‏

قيم جديدة بمفاهيم جديدة أصبحت تتداخل مع أحدث تطورات العلم وإنجازاته وهي تتطلع الى أن تصلح في الإنسان ما أفسده الجشع على مر الزمان. ولكن هل يمكن هذا والإنسان يغيّب عين الله أو يظن أنه يغيب عنها؟‏

تطورات حضارية نتمنى أن تترافق بثوابت الكون وقوانينه الناظمة، فقد مر على البشرية عهود في بقاع كثيرة من العالم لم تكن فيها هذه التقنيات موجودة ومع ذلك كانت نسب الجرائم والاعتداءات والعنف أقل بكثير. ولا يزال في مدن معينة من عالمنا العربي تسود فيها عين الله فتكون الرادع والمانع للبشر من أن يعتدي بعضهم على بعض. وربما في نطاق أضيق نجد أحياء أو قرى أو تجمعات بشرية ترفرف فوقها الثقة والقيم الروحية فتعيش في أمان واطمئنان، ولا تقع فيها حوادث تذكر في الحسبان.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية