وقد خاب ظنها وأخفقت استراتيجيتها، فإن الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ يتكون وترتسم ملامحه ليس بعيدا عن المكان وإن تغيرت الأهداف والأدوات، فقد بدأ مع الالتقاء السوري- التركي ودفع العلاقات بين الدولتين إلى مراتب متقدمة.
حول هذه العلاقات صدر كتاب جديد عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت تحت عنوان: « سورية وتركيا.. الواقع الراهن واحتمالات المستقبل». وهو من تأليف : د. عقيل سعيد محفوض..
يتوزع الكتاب على أحد عشر فصلا تستغرق أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير ولم يترك الباحث مجالا من مجالات العلاقات «التجاذب والتنافر» إلا وبحثه ووقف عند معطياته ويرى أن دراسة العلاقات بين سورية وتركيا منطلق إلى دراسة علاقاتهما الاقليمية والدولية. وفي ضوء زيادة التفاعلات البينية للدولتين والبروز الواضح لكل منهما في موقع مهم على جدول أولويات السياسات الخارجية والداخلية لدى الآخر، فإن تناول هذه العلاقات بالبحث الاكاديمي يبدو أكثر إلحاحا من الجوانب العلمية والسياسية.
وحسب الباحث فقد تركز اهتمام سورية وتركيا في الشوون الاقليمية والدولية على دائرتي نشاط رئيستين هما بالنسبة للأولى: المنطقة العربية وما يرتبط بالصراع مع اسرائيل وبالنسبة للثانية: اوروبا- الولايات المتحدة.
وترى الدولتان نفسيهما في قلب صراعات الاقليم وتعملان على إعادة قراءة وتعريف خريطة القوى والتحالفات فيه بما يمكنهما من التعامل والتفاعل معه بكيفية يفترض بها أن تحقق لكل منهما برنامجها الوطني والقومي.
ويحاول الكتاب حسب المؤلف تحقيق عدة أهداف أهمها: بيان الخلفية التاريخية للعلاقات بين الدولتين بما هي جزء من التكوين السيكولوجي والذاكرة السياسية لديهما وتقديم أو تجريب منهجية مقترحة في دراسة العلاقات الدولية للطرفين واختبار تدخلات منهجية من قبل الكاتب تقوم على جدلية أو مفهوم «التجاذب- التنافر» ودراسة السياسة الخارجية لسورية وتركيا في أبعادها العامة والبحث في تأثير البيئة الدولية والاقليمية والبنية في العلاقات موضوع الدراسة واستشراف المستقبل.
نقطة الانطلاق:
يرى الباحث أن الزيارة التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى تركيا في 6 كانون الثاني 2004 م كانت زيارة تاريخية وهي نقطة انطلاق اعتبرها المحللون والساسة مؤشرا إلى تغييرات في نسق التحالفات والسياسات الاقليمية للدولتين والمنطقة ككل، وقد عبر الرئيس التركي السابق أحمد نجدت سيزر عن أهمية الزيارة بقوله: إن زيارتكم لها صفة تاريخية ومغزى خاص لكونها أول زيارة رسمية لبلادنا لرئيس الجمهورية العربية السورية مشيرا إلى أن الزيارة تعتبر مؤشرا إلى أعلى مستوى للتطور السريع للعلاقات الثنائية في المرحلة الأخيرة على أساس الاحترام المتبادل والفهم والحوار المشترك.
وبدوره قال الرئيس الأسد: إن السوريين مصممون على السير قدما من أجل تطوير العلاقات مع الجارة تركيا في جميع المجالات، وأوضح أن سورية وتركيا انتقلتا من مناخ يتسم بعدم الثقة إلى مناخ تسوده الثقة، مضيفاً: يجب توليد استقرار من مناخ اقليمي يسوده عدم الاستقرار.
وكان البلدان اتفقا في 25 آب 2004 م على التعاون في الصناعات النفطية.
وفي 22 كانون الأول 2004 اتفقا خلال زيارة رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان إلى دمشق على إقامة منظمة تجارة حرة بينهما تتضمن إجراءات تمهيدية، وقد دخلت حيز التنفيذ في بداية عام 2007 م وهذا العام أقيم المجلس الأعلى السوري - التركي.
في الفصل الثالث يبحث المؤلف في أنماط الامكانات في كل دولة ويبدأ بسورية إذ يحدد العناوين التالية: البناء الجغرافي / البناء السكاني الاجتماعي / البناء الاقتصادي والسياسي / البناء العسكري، ويقوم بمقارنة هذه الأنماط بين الدولتين.
بعد ذلك يدرس السياسات الخارجية لكل من الدولتين ومن ثم علاقاتهما، عوامل التجاذب والتنافر، ويخلص إلى القول:
إننا بعد كل ما سبق نتحيز إلى المستقبل (التقاربي) بين سورية وتركيا ، وخاصة أن ثمار التقارب بدأت تنعكس على العلاقات البينية والتفاعلات الاقليمية، كما أنها أثمرت قدرا من الطمأنينة لدى العامة الذين أمسى تواصلهم أفضل وأكبر بكثير مما كان الحال في السابق.